الصيام والقيام كفارة للذنوب

الصيام والقيام كفارة للذنوب
  • 1713

يكون الصيام والقيام "كفارة لجميع الذنوب، إذا تحقق فيه شرطا الإيمان والاحتساب على وجه الكمال"، "كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر" إعمالا لعمومه وترجيحا له على غيره، وفي هذا يقول الدكتور محمد حاج عيسى، بأن عموم هذا الحديث لجميع الصائمين غير مراد، وأنه خاص برتبة من رتبهم ليس إلا، كما أن الأحاديث الأخرى الواردة في الباب تنطبق على رتب أخرى، أدنى منها وأعلى ولنبدأ بأدنى الرتب..

الأولى: رتبة الصائم الذي أفسد صومه في يوم أو أكثر بلا عذر بإحدى المفطرات الحسية، فيحرم نفسه من الأجر، بل يأثم إثما عظيما مع وجوب القضاء أو القضاء والكفارة، وفي مثله ورد حديث أبي أمامة في باب عذاب القبر، مما أخبرنا عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- في رحلة المعراج، حيث قال: "ثم انطلق بِي (أي جبريل) فإِذا أنا بِقوم معلقِين بِعراقِيبِهِم مشققة أشداقهم تسِيل أشداقهم دما، فقلت: من هؤلاءِ؟ فقِيل: هؤلاءِ الذين يفطِرون قبل تحِلةِ صومهِم"(رواه ابن خزيمة)...ومثل هذا لا يدخل في حديث التكفير المتوهم عمومه قطعا.

والثانية: رتبة الصائم الذي ليس له من صومه إلا الجوع والعطش، كما جاء في الحديث، وهو يختلف عن الأول بترك المفطرات الحسية، لكنه انتهك حرمة الصيام بالمفطرات المعنوية، من أنواع الزور والباطل من صغائر الذنوب وكبائرها... فهذا صومه صوم مجزئ لا يجب عليه قضاء ولا كفارة، إلا أنه قارف من المعاصي، مما جعل أجر صيامه ينقص بقدر معاصيه، حتى ضعف وخف وزنه، فلم يقوى على محو صغيرة ولا كبيرة... وهذا أيضا لا يدخل في الحديث.

والثالثة: رتبة الصائم الذي جاهد نفسه فاجتنب المفطرات الحسية والمعنوية، فهذا يكون صومه بإذن الله تعالى، صحيحا مجزئا مقبولا، ويكون أجره كاملا، ووزنه ثقيلا، فيكفر الصغائر التي اقترفت في رمضان، فإن كان العبد مع ذلك قد اجتنب الكبائر في عامه كله، كان صومه كفارة لجميع خطاياه فيه.. وهذا هو المعنى المراد بالحديث.. والله ورسوله أعلم.

والرابعة: رتبة الصائم الذي لم ينتهك حرمة رمضان كالسابق، وزاد عليه استصحاب الرضا والفرح بهذه العبادة، والحرص على الإكثار من نوافل الأعمال الصالحة احتسابا للأجر والمغفرة، فلا يضيع وقتا ولا يشغل نفسه بلهو ولا غيره، ولا تظهر منه شكوى ولا ضجر، فحقق الإيمان والاحتساب لا بالمعنى الذي يشترك فيه جميع المسلمين، بل بالمعنى الصحيح التام الكامل.. وهذه رتبة أعلى من السابقة، وصاحبها يستحق أكثر مما استحقه الأول من الأجر والثواب والمغفرة، وهو ما بينه حديث: "غفر له ما تقدم من ذنبه" بعمومه للذنوب الصغائر والكبائر مع الإطلاق عن قيد الزمن ...نسأل الله الغفور الرحيم أن يشملنا برحمته وعفوه وستره في هذه الليالي المباركات، وأن يتقبل صيامنا وقيامنا ..