الفائز في رمضان
- 888
لقد فاز في رمضان من انفق في سبيل الله ابتغاء وجه الكريم، ومن أقرض الله قرضاً حسناً. لقد فاز في رمضان من صان عن اللغو والفحش صيامه، وكف عن الحرام عينيه وأذنيه ولسانه، وتهذبت بالصيام نفسه، فكان صابراً متواضعاً تقياً صادقاً أميناً وفياً، على البؤساء عطوفاً، وبالضعفاء رحيماً. لقد فاز في رمضان من شمر عن ساعد الجد وجعل صالح الأعمال بضاعته، والتواضع شعاره والحلم واللين شيمته والرأفة والرحمة حليته.
لقد فاز في رمضان من أجاب نداء حي على الصلاة ـ حي على الفلاح، فأدى الفرائض كلها في المسجد مع الجماعة، وصام نهار رمضان وقام ليله بين يدي ربه، وأخرج الزكاة الواجبة ومعها صدقة الفطر، وساعد المحتاجين وجعل نهاره كله في ذكر الله وداوم على قراءة كتاب الله العزيز وتدارس ما فيه.
لقد فاز في رمضان من وصل رحمه وحافظ على حقوق جاره، وضبط نفسه في تعامله مع الآخرين وخصوصاً من تكثر معاملته لهم من جيرانه فحفظ عوراتهم، وراقب أطفالهم، واعتبرهم كأطفاله في المتابعة والتوجيه وحسن الرعاية، وإذا خرجت امرأة من جيرانه لأي ظرف من الظروف تمثل قول الشاعر:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي*** حتى يواري جارتي مأواها
لقد فاز في رمضان من جعله بداية عهد جديد وتجديد بيعة مع الله عز وجل لبداية انطلاقة متواصلة نحو عبادة صحيحة لينجو من عذاب الله يوم القيامة. لقد فاز في رمضان من كان حاله بعد رمضان أفضل من سابقه وحافظ على الصيام والقيام تطوعاً بعد رمضان ولم يهجر القرآن، بل جعل لنفسه ورداً يقرؤه كل يوم بعد رمضان.
دخل رجل على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم العيد فوجده يأكل خبزاً جافاً وزيتاً فقال: أمير المؤمنين وخبز جاف يوم العيد!! فرد عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قائلاً له: يا هذا ليس العيد لمن لبس الجديد وأكل الثريد، ولكن العيد لمن قُبل منه بالأمس صيامه، وقُبل منه قيامه، وغُفر له ذنبه، وشُكر له سعيه، فهذا هو العيد واليوم لنا عيد وغداً لنا عيد، وكل يوم لا نعصي الله عز وجل فيه فهو عيد. وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: ليس العيد من لبس الجديد ولكن العيد من خاف يوم الوعيد، قال تعالى: [إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون] (النحل:128)، الذين اتقوا هم الذين عظموا أمر الله بامتثال الأوامر واجتناب النواهي على الوجه اللائق بجلال الله وعظمته، والذين هم محسنون هم أهل الشفقة على خلق الله باحترام الحقوق وحسن المعاملة.
أيها الصائم: ها هي أيام رمضان تمضي فهلا اتقيت الله فيه، وقمت بحقوقه وحافظت على آدابه، هل أحسنت فيه المعاملة مع خلق الله واحترمت حقوقهم، فالصيام ينور القلب ويهذب النفس، ويقوي العزيمة، ويعرف العبد مقدار النعمة، ويملأ قلبه رحمة بالضعفاء، فهل استنار قلبك في رمضان بعد ظلمة العصيان؟ هل تهذبت بالصيام نفسك وقويت عزيمتك؟ هل عرفت مقدار النعمة بفقدها فشكرت عليها ربك؟ هل امتلأ قلبك رحمة فعطفت على الأرامل واليتامى؟
أيها الصائم: طهر قلبك من الحقد والغل والحسد وتذكر قول الله تعالى: [وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين] (آل عمران:133، 134).
أيها الصائم: اعلم أن عزة الأمم وسعادتها منوط بأخلاقها وآدابها واعتناقها للفضيلة وابتعادها عن الرذيلة، فالأخلاق الفاضلة روح الأمم والشعوب لا حياة لها إلا بها، ولا رقي لها إلا معها، وعلى مقدار اعتناء الأمة بالتربية الصحيحة وتمسكها بالأدب والفضيلة يكون رقيها وفلاحها وهناؤها وصفاء عيشها، قال تعالى: [من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون] (النحل:97).
أيها الصائم: هذا الشهر هو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، إذا لم يتب فيه الشخص فمتى يتوب، وإذا لم يفز ويربح في مثل هذا الموسم العظيم فمتى سيفوز؟