بوابة التمكين للإسلام والمسلمين

بوابة التمكين للإسلام والمسلمين
  • 1403

في السابع عشر من شهر رمضان المبارك في كل عام، تتجدد ذكريات العزة والكرامة والهمة والعزيمة والجد والاجتهاد، ممثلة في ذكرى أحداث ومجريات غزوة بدر الكبرى التي كانت نصرا عظيما للإسلام وأهله، بقدر ما كانت ضربة موجعة للباطل وحزبه، وقد وقعت هذه الغزوة في شهر رمضان المبارك في السنة الثانية من الهجرة، بعد أن فرض الصيام على المسلمين.
رغم أنها كانت معركة لم يحسب لها المسلمون ذلك الحساب الدقيق، ولم يكن تخطر على بالهم في تفاصليها ومجرياتها، بل لم يكونوا يتوقعون حربا ومواجهة مع أكبر قبائل العرب في ذلك الوقت، إلا أن عناية الله هي الغالبة وصدق الله القائل: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى..} [الأنفال: 17].
تتلخص أسباب الغزوة في سماع النبي صلى الله عليه وسلم، بأن عيرا لأبي سفيان قادمة من الشام بقيادة أبي سفيان، وقد كانت محملة بالأموال العظيمة والذهب والفضة والمؤونة الكبيرة، فوجه النبي أصحابه لأخذ هذه العير نظير ما نُكبوا به من فقد الأموال والدور في مكة، ولتكون رد اعتبار للمسلمين يستردون شيئا من أموالهم التي استولى عليها أهل الضلال في مكة، وهو أدنى درجات العدالة في موازين القوى المتعادية.
عندها خف البعض وتثاقل آخرون، لأنهم لم يكونوا قد تصوروا أن حربا ستكون بينهم وبين قريش، وقد كان أبو سفيان على درجة كبيرة من الحذر والاحتياط، فكان يرسل العيون خوفا على أموال القافلة فبلغه خروج النبي الكريم مع نفر من أصحابه، للاستيلاء على القافلة فأرسل ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة ليخبر قريشا بالخبر، ويستحثها لملاقاة المسلمين والدفاع عن القافلة، وعند وصول الخبر تهيأت قريش وأعدت عدتها الكاملة وخرجت في نحو ألف مقاتل، وكان عددهم أكثر من ثلاثة أضعاف المسلمين.
في المقابل، قام أبو سفيان باختيار طريق آمن للقافلة حتى أطمأن على نجاتها، وأرسل يبلغ قريشا بذلك، إلا أن قريشا بغرورها أبت إلا أن تحارب المسلمين، وهنا تصل الأخبار إلى النبي وصحابته بخروج قريش، وأنه لا مناص من المواجهة، عندها يستشير النبي الكريم أصحابه من المهاجرين والأنصار، فيجد منهم صدق العزيمة وقوة الشكيمة وعظيم الإخلاص، وتتجلى عناية الله لنبيه وأوليائه، فتحدث الكرامات لتلك الفئة المؤمنة القليلة وتنتصر نصرا مجيدا على جحافل الشرك، مما جعل شأن الإسلام يسير في ارتقاء وصعود، وفي المقابل فإن شأن الباطل في انتكاس وهبوط، ومن دروس هذه الغزوة:

تعزيز الروح المعنوية:

يتضح ذلك من خلال قيام النبي صلى الله عليه وسلم، بعد ذهاب العير بمشورة أصحابه، وكان يهمه أن يسمع منهم رأيا حول هذه المستجدات الحادثة، التي لم يحسب لها حساب سلفا، وما كان منهم إلا أن تكلموا بما يسر قلب النبي الكريم، ووجد عندهم تصميما وعزيمة لا تردد فيهما ولا تهيب، حتى أن قائلهم ليقول: ".. لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك"، وقد كان لمثل هذا الكلام وقعه العظيم وأثره البالغ في نفوس البقية الذين حضروا هذه الغزوة، ذلك أن تعزيز الروح القتالية للجندي في أرض المعركة هو المحرك الفعال في تسييرها نحو النصر، وهو ما حدا بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى تحريض وتشجعيهم أصحابه على القتال، امتثالا لأمر الله تعالى: {يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون} [الأنفال:65].

الإلحاح في الدعاء في ذلك الموقف:

تصف لنا كتب السيرة ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم من الدعاء بالنصر والتأييد، وهو يلح ويكثر من الدعاء ويبسط كفيه إلى السماء بدعاء خاشع متواصل، حتى يسقط رداؤه وأبو بكر من خلفه يلازمه، ويشفق عليه فيقول: "يا رسول الله أبشر فو الذي نفسي بيده لينجّزن الله ما وعدك"، وهكذا شأن المسلم فهو لا يفتر عن ذكر الله، خاصة في مثل هذه المواقف الحاسمة، والتي يتحتم أن يكون الإنسان أقرب ما يكون فيها إلى ربه فيها، قال تعالى: {إذ تستيغثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} [الأنفال: 9].
النصر من عند الله تعالى:
فإن النصر لا يعتمد على كثرة عدد أو عدة، وإن المعركة غير متكافئة في العدد أو العدة، ومع ذلك فإن الله مكن لأوليائه على المجرمين كما قال تعالى: {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون} [آل عمران: 123]، وقال تعالى: {وما النصر إلا من عند الله} [الأنفال: 10]، وكم تكون ظروف الإنسان وأحواله في أسوء أحوالها، لكن إرادة الله فوق كل شيء، فيأتي المدد والعون ويقع الخير، فعلى الإنسان، ألا ييأس من رحمة الله وعونه وتوفيقه.

التخطيط وحسن الإدارة:

وهو ما نجده حاضرا في هذه الغزوة بوضوح، فعندما تأكدت المواجهة بين الطرفين، ما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن سبق إلى المكان المناسب، والذي يمكنهم فيه من إثخان عدوهم وهيئوا ما تحتاجه المعركة من مؤنة ونحوه، وقطعوا الإمدادات عن عدوهم بتغوير الآبار، وكان لهذا الأثر البالغ في نجاح مساعيهم بتوفيق الله، وهكذا الإنسان في شأنه وأحواله، قد لا تتهيأ له الظروف التي يراها مناسبة، ولكن مع ذلك لا يقف مكتوف اليدين، إنما عليه أن يحاول بما أمكنه من طاقات وقدرات حتى يصل إلى هدفه.

مدد الله للمؤمنين:

فالله دائما مع أوليائه المؤمنين يحفظهم ويكلؤهم برعايته وعنايته، وهو ما ظهر جليا في الإمداد بالملائكة، وقد جاء أن الملائكة كانت تقاتل مع المؤمنين، قال تعالى: {فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين}[الأنفال:9]، وتظهر معية الله وعونه في إنزال السكينة في قلوب المؤمنين وينزل عليهم المطر المثبت للأقدام، ويقلل عددهم في أعين المؤمنين، وهكذا فإن الله يدافع عن الذين أمنوا.