طهرة للصائم وإغناء للفقير
- 5697
من مقاصد الصيام المعروفة الشعور بحاجة الفقراء، وقد وافق ذلك تشريع مواساتهم أثناء شهر الصيام وفي نهايته، إذ في الناس من يمضى نهاره في رمضان صائما وليله طاويا، ويوم العيد لن ينعم بالفرحة لحمله هم قوته.
لذلك رغب النبي صلى الله عليه وسلم في إطعام الصائم الفقير وجعل لمن أطعمه مثل أجره، وأوجب زكاة الفطر في نهاية الشهر لتكون طهرة للصائم، ولتتم فرحة الفقير بكفايته عن السعي أو السؤال، وليكون يوم العيد مضمون الرزق للجميع، يتفرغون فيها لصلة الأرحام وإدخال السرور على الأهل والأولاد.
للتفصيل في أداء هذه الشعيرة، يوضح الدكتور محمد حاج عيسى أن النبي صلى الله عليه وسلم، حرص على تكثير هذا الطعام المخرج من خلال: تعميم هذه الزكاة وجعلها غير مختصة بالأغنياء عامة لكل من عنده قوت يومه وزيادة، مقدرة بحسب الرقاب دون نصاب، ثم تقديرها بصاع من طعام، مع أن الفرد المسلم يكفيه منه مد أو مدان على أكبر تقدير، وننبه أن تقدير الزكاة بالصاع هو تقدير للواجب المجزئ والزيادة تمنع في التشريع، ولا تمنع في الأداء وهي صدقة واحتياط، خلافا لمالك رحمه الله..
اختلاف العلماء في وقت الوجوب هل هو إدراك مغرب ليلة العيد أو الفجر، له ارتباط بتعين الوجوب، وليس تحديد زمن الإخراج، إلا على رأي ضعيف، فكل المذاهب تجيز إخراج الزكاة قبل العيد، فمنهم من أجاز إخراجها قبله بيومين، ومنهم من زاد الثالث ومنهم من قال من نصف الشهر، ومنهم من قال من أوله وقيل غير هذا.. وقصة أبي هريرة مع الشيطان في نظري عمدة في فقه هذه المسألة، فزكاة الفطر كانت مجموعة قبل أكثر من ثلاثة أيام من العيد، وكان أبو هريرة مكلفا بحراستها.. وقد أعطى منها الشيطان لما زعم أنه فقير قبل ثلاثة أيام من العيد على الأقل، ثم زاده وزاده.. وهذا يؤيد قول من أجاز إعطاءها من أول رمضان لأنه لا مانع من هذا التقديم بعد وجود السبب، وهو الصيام، لكن لا ينبغي أن يكون التعجيل عاما في الأمة، حتى لا تستهلك وينتقض المقصود الأهم وهو الإغناء يوم العيد.
وفي قصة أبي هريرة أيضا، تشريع جمعها في مكان واحد وتوزيعها منه، في المنطقة الواحدة، وهذا من شأنه أن يضمن تعميم التوزيع للفقراء مع عدالته، كما أنه يعطي من يسهر على توزيعها سلطة تقديرية في تعجيل تقديمها قبل العيد بأيام، وربما من منتصفه، حسب الكمية المجموعة والمتوقع جمعها بالنسبة لعدد فقراء المنطقة، بهذا نُحصِّل الإغناء الواجب يوم العيد والمستحب قبله، وقد يصبح الفقير غنيا قبل العيد فيؤدي هو أيضا زكاته، ولهذا الصنيع أثره الديني والنفسي والاجتماعي.
قد يتهاون بعض الناس أو يغفل عن إخراج زكاته قبل العيد حتى يدركه صباحه، وليس له القوت الكافي ولا يجد المكان الذي يشتري منه.. فهل نأمره بقضائها بعد الصلاة، أم نرخص له بإخراجها نقدا ليدرك الوقت، قولان محتملان أصحهما التأخير والقضاء لظهور قصد الإطعام كما سبق.. ولأن القضاء يشرع في حق من لم يتذكرها إلا بعد الصلاة.. وما أبيح للضرورة أو استثناء للحاجة لا يجوز جعله شرعا عاما في كل الأحوال.