فوائد فتح مكة
- 1900
كان فتح مكة أهم فتح للإسلام والمسلمين، أكرم الله به نبيه صلى الله عليه وسلم خاصة والمسلمين عامة، فقد جاء هذا الفتح المبارك بعد سنوات متواصلة من الدعوة والجهاد لتبليغ رسالة الإسلام، فتوج مرحلة مهمة من مراحل الدعوة الإسلامية، وكان أشبه ما يكون بنهاية المطاف لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، في هذه الدار، وبداية المطاف لمن بعده لإتمام مهمة نشر الدعوة في أرجاء الأرض كافة.
ولا نبعد عن الصواب إذا قلنا أن فتح مكة يحمل من الدلالات والفوائد والعبر ما لا يحيط به كتاب، فضلا عن أن يحيط به مقال. وحسبنا في هذا المقام أن نقف عند بعض الفوائد والدلائل التي حملها ذلك الحدث التاريخي، لنعرف أهميته في تاريخ الإسلام، وندرك مكانته في مسيرة الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.
فأولى فوائد فتح مكة أنه انتزع تلك البقعة المباركة من براثن الشرك، وضمها لحمى التوحيد، فقد دخل النبي، صلى الله عليه وسلم، مكة، فكان من أول ما فعل أن حطم الأصنام المنصوبة حول الكعبة المشرفة، وهو يردد قوله تعالى: "وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا" [الإسراء: 81]، وقوله: "قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد". [سبأ:49]
وصعد بلال على سطح الكعبة وصدح بالأذان، فكانت كلماته تتردد في أرجاء مكة، معلنة انتهاء عهد الخرافة والشرك، وبدء عصر النور والتوحيد.
وكان من فوائد فتح مكة رفع سيف الكفر المسلط على رقاب المستضعفين من أهل مكة، سواء ممن أسلم أو ممن كان يرغب في الإسلام، الذين أرهبهم سيف قريش، وسلب حقهم في اختيار الدين الحق، فجاء ذلك الفتح ليرفع السيف عن رقابهم، وليدخلوا في دين الله بدون خوف ولا وجل.
ومما أسفر عنه هذا الفتح العظيم تحطيم وإزالة رهبة قريش من قلوب قبائل العرب، التي كانت تؤخر إسلامها لترى ما يؤول إليه حال قريش من نصر أو هزيمة؛ روى البخاري في صحيحه عن عمرو بن سلمة، أن "العرب كانت تلوّم (تنتظر) بإسلامها الفتح، يقولون انظروا فإن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما جاءتنا وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم".
وكان من فوائد هذا النصر المبارك زيادة إيمان المؤمنين بتحقق وعد ربهم؛ دخول البيت والطواف به بعد أن منعهم منه المشركون، فقال سبحانه: "لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون". [الفتح: من الآية27]
ومنها أيضا اكتساب المسلمين شرف حماية البيت وخدمته، مما جعل لهم من المكانة عند العرب نظير ما كان لقريش من قبل، بل وأعظم.
ومن فوائد فتح مكة تضعضع مركز الكفر والشرك في جزيرة العرب، وتحول رؤوس الكفر إلى القتال على جبهات ليس لها منزلة ولا مكانة عند العرب كثقيف وهوازن، وما هي إلا جولة أو جولتان حتى خضعت جزيرة العرب للحكم الإسلامي، وأصبحت الجزيرة مركزاً لنشر الدين الجديد، وانطلقت الجيوش المسلمة الفاتحة لتدك عروش كسرى وقيصر، ولتُخضع أكبر إمبراطوريات الشر لحكم الدين الإسلامي.
ومن أهم الدلالات التي أفصح عنها فتح مكة موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهلها الذين ناصبوه العداء منذ أن بدأ تبليغ دعوته، فبعد أن أكرمه الله عز وجل بدخول مكة توجه إلى أهلها بقول لهم: "ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا، أخ كريم، وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء". [رواه البيهقي]
فيا له من موقف كريم يليق بمن أرسله الله رحمة للعالمين!
هذه بعض فوائد فتح مكة، ذلكم الفتح الذي ليس ثمة فتح يوازيه في مكانته وأهميته، حتى سماه العلماء الفتح العظيم، لما ترتب عليه من نتائج عظيمة، ليس أقلها إعادة أعظم بقعة في الأرض من براثن الشرك إلى حمى التوحيد، وليس أدناها اقتران هذا الفتح المبارك بدخول الناس في دين الله أفواجاً، كما قال تعالى: "إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا". [النصر:1-3]