فيروس كورونا المستجد من فقه النوازل

فيروس كورونا المستجد من فقه النوازل
  • 2581
ع. سالم ع. سالم

العناية بأصول العلوم من أهم الطرق لإحياء الأمة في جميع المجالات، لحاجها في نهضتها لجميع العلوم، والعنايةُ بأصول كل علم هو حفظ له، وتجديد لحياة الأمة الدينية والدنيوية وتحقيق مصالحها. ومنها العناية بالنوازل والمسائل المستجدة، التي لها أثر على كيان الأمة العقدي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو السياسي، أو التربوي... أو الصحي، كما هو عليه الحال اليوم مع فيروس كورونا المستجد.

ومن يعود إلى تاريخ الإسلام، يجد عنايةً فائقة بأصول العلوم، وعناية فقهية بالنوازل التي تَستجِد في حياة الأمة، وردها إلى تلك الأصول، فما معنى النوازل، وكيف يعالجها الاجتهاد الفقهي المعروف بفقه النوازل؟

فالنوازل جمع "نازلة"، والنازلة اسم فاعل من "نزل ينزل"، إذا حل، وقد شاع عند الفقهاء إطلاق النازلة على المسألة الواقعة الجديدة التي تتطلَّب اجتهادًا، وقد استنبط بعض أهل العلم من المعنى اللغوي للنازلة جملة من الأوصاف منها: أنها واقعة، وأنها جديدة، وأنها شديدة.

حيث يبدو الوصف الأول والثاني طبيعيين لمعنى النازلة، لأن المسألة التي تحتاج إلى اجتهاد شرعي في الغالب لا بد أن تكون قد وقعت وكانت من المسائل الجديدة، وذلك في جميع المسائل، ثم تختص النازلة بكونها شديدة، بحيث تلتفت لها الأمة في مجموعها، وتستدعي موقفًا اجتهاديا شرعيا، ويترتب على ترك الاجتهاد فيها ضرر على المسلمين.وقد عرفها بعض أهل العلم بأنها "ما استدعى حكما شرعيا من الوقائع المستجدة"، أو هي الوقائع المستجدة الملحّة. وإذا انضاف إلى كونها شديدة أي متعلقة بأمور لها أهميتها في واقع الأمة، جاز التفريق بينها وبين عموم المسائل الجديدة، إذ ليس كل مسألة جديدة نازلة.وقسم الباحثون النوازل إلى فقهية وهي المتعلقةُ بالأحكام الشرعية العملية، وغيرُ الفقهية وهي المتعلقة بالمسائل العقدية، كظهور الفِرَق والنحل والصور الحديثة للشرك، وبعض المسائل التربوية الحادثة، والاكتشافات العلمية المبتكرة، والمسائل اللغوية المعاصرة، كتسمية بعض المخترعات الحديثة.

كما اعتبروا الاجتهاد في النوازل من فروض الكفايات، يقوم به من يجد في نفسه قوةً على ذلك، خاصة عند فقد من يستطيع النظر فيها. والاجتهاد، سواء بالمعنى العام، أو الاجتهاد الذي يتجزأ في بعض المسائل هو من ضروريات إحياء الدين وتجديده، الذي لا تستغني عنه الأمة في كل عصر من العصور، فيكون على الباحث الذي لديه أهلية للاستنباط أن يستجمع ما يتعلَّق بالمسألة المبحوثة من الأدلة منها:

- التصور الصحيح لها، بدءا بتحديد موضع النزاع، وموضع البحث فيها وطبيعته، سواء كان فقهيا، أو تربويا، أو أو اقتصاديا أو صحيا، واستقصاء الدراسات السابقة إن وجدت، سواء كانت في علوم الشريعة أم في غيرها من العلوم، وتحديث المعلومات حول النازلة، مرورا بالبحث عن ظروف النازلة وتاريخها، والظروف المحيطة بها، وانتهاء بالرجوع إلى أهل الاختصاص فيها ومشاورتهم.

- تكييف النازلة، وذلك بردِّها إلى أصلها العلمي إن كانت ترجع إلى أصل، أو ردِّها إلى جملة أصول، أو بما يغلب عليها، أو اعتبارها مسألة لها حالة خاصة. وكل ذلك يعرف إما بالنص، أو الإجماع، أو التخريج على نازلة متقدمة، أو فتوى إمام متقدم، أو قاعدة فقهية، وأما عموم المسائل المتعلقة بالعلوم الأخرى، فيعرف تكييفها باتِّباع مناهج البحث في تلك العلوم.

- تطبيق الحكم عليها تحقيقًا لمقصد الشارع، وتحصيلاً للمصالح، ودرءًا للمفاسد، في الحال والمآل، وذكر الأدلة على ذلك، باتباع مناهج البحث في كل علم بخصوصه، مع بيان حكم الشرع، والكشف عن مقاصده، من خلال الدراسات في المجالات العلمية والتقنية والاجتماعية، وغيرها من القضايا المهمة للمجتمع.

ويجب على من يفتي في النوازل فهم واقع المسألة وذلك لكي ينزل الحكم الصحيح على الواقعة المفترضة، فإن كانت المسألة طبية نقل الأطباء تلك المسألة بتفاصيلها إلى المفتي لكي ينزل الحكم الشرعي عليها، وإن كانت مسألة سياسية نقل السياسيون وأهل الفكر تلك المسألة إليه لينزل الحكم الشرعي عليها، وإن كانت تجارية نقل التجار تلك المسألة للمفتي وشرحوا حيثياتها ومداخلاتها للمفتي لينزل الحكم الشرعي عليها.. وهكذا.