مشروعية صوم رمضان ونزول القرآن فيه [1-2]

مشروعية صوم رمضان ونزول القرآن فيه [1-2]
  • 1707

(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

 

حقٌّ لشهرٍ أنزل الله فيه أعظم هدايةٍ للبشر، وأفاض فيه على العالم من مظاهر نور العلم والفرقان ما كان فارقًا بين الحق والباطل أن تكون له ميزته الخاصة وفضله على غيره من سائر الشهور، وجديرٌ بمن كانت نعمة الله عليه فيه كبيرة بهذه الهداية أن يشكر الله بأنواعٍ من الشكر ويعبده فيه بعبادة لا يعبده بها في غيره من سائر الشهور والأيام.

أنزل الإله القرآن في الليلة المباركة وهي ليلة القدر من ليالي رمضان، وأخبر عز وجل في معرض التنويه بهذا الشهر وبيان مشروعية الصوم فيه ووجوبه على المؤمنين أنه أنزل فيه القرآن هدًى للناس، فكان الشهر كله مباركا ببركة القرآن، وكتب على الذين آمنوا صومه كما كتبه على الذين من قبلهم ليتفرغوا مزيد تفرغ إلى العناية بالقرآن ويطبقوا على أنفسهم ومن أليهم أحكام القرآن وتعليمه ولعلهم يتقون.

لا يكفي المؤمن أن يعتقد أو يقول أنه مؤمنٌ فحسب، ولا يجديه نفعًا أن يتلقَّب بلقب المؤمنين، أو يلبس شعار المسلمين دون أن يكون في زمرة المتقين، وعداد الخاشعين المنيبين، لذلك كانت التقوى والأعمال الصالحة جزءًا لا يتجزأ من الإيمان ومأخوذة لدى العالمين العارفين في مفهوم الإيمان، إذ هي مظاهر التّحقّق به كما هي سقاؤه وغذاؤه الذي لا حياة ولا نمو له بدونها. وبها لا بغيرها تتزكى النفوس المؤمنة وتنال الفوز والفلاح.

وإنَّ من أجلِّ مظاهر التقوى وأعظمها دلالةً على قوة الإيمان وتمكِّنه من قرارة النفس وسويداء القلب عملا صالحا يغالب به المؤمن الموقن حظوظ النفس وشهواتها الخاصة فيغلبها ويحمله في أثناء هذه المغالبة على مراقبة الله والخوف منه، وذلك بتذكيره آلاءه المطموع فيها والمرجو دوامها واستحضار عظمة جلاله المرعوب من سطوتها.

وفي عبادة الصوم ما يجلِّي هذا الموقف ويحمل المؤمن على مراقبة الله فيخافه ويرجوه، يتذكره كلما غفل عنه الغافلون أو نسوه، كيف لا وحاجته عما صام عنه {إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا} من طعامٍ وشرابٍ وملامسةِ نساءٍ ء ضرورية ومتجددة في كل وقت وعارضة له بعروضِ أسبابها والدواعي إليها، وهو كلما ذكرها ذكر أمر الله بالصوم عنها ونهيه له عن نيل وطره وقضاء شهوته منها، وفي هذا التذكر بحكم الضرورة والطبع وذكر الله عند أمره ونهيه بهذه المناسبة، ما يغذي شجرة الإيمان ويسقي فروعها العالية.

والوقوف عند ما أمر الله ونَهَى المرة بعد المرة كلما حفّزت النفس حوافز الشهوة وكلما كفها المؤمن عما تريده وصدّها عمّا تشتهيه من معتادها وتهواه مما يربِّي ملَكة المراقبة والخوف من الله؛ ويحمل على الرغبة والطمع فيما عنده.

وبهذا يزداد المؤمنون إيمانا مع إيمانهم وتقوى عزيمتهم على ملابسة الأعمال الصالحة ويُقبلون على الطاعات فيكون لهم الغلب ويتم لهم النصر والظفر على النفس الأمارة بالسوء، وإذ ذاك يحرزون على فوز الاستقلال بالإرادة وحرية التصرف المشروع الذي لا خضوع فيه ولا خنوع لغير الحق الذي أرشد إليه العقل، وهدى إليه الدليل. وذلك سبيل المؤمنين الكاملين، وطريق الواصلين العارفين.

وإنَّ القرآن في مجموع دعوته ليهدي للتي هي أقوم ويدعو إلى هذا السبيل.

(يتبع)