منهل العيش المشترك

مبادرة الجزائر باحتضان تظاهرة تطويب رجال الدين الكاثوليكيين 19 بوهران، هي عربون عرفان ورسالة سلام تجاه إخوتنا في الإنسانية، الذين فضّلوا أن يبقوا في خدمة المحيط الاجتماعي الذي كانوا يعيشون فيه بتبحيرين (المدية) في سنوات العشرية السوداء على أن يرحلوا هاربين من جحيم الإرهاب.

ولأنهم اختاروا الاصطفاف إلى جانب المواطنين الجزائريين العزّل، فقد دفعوا الثمن غاليا كما دفعه أبناء الشعب الجزائري بجميع فئاته، وصبروا وصابروا حتى خرجت البلاد من محنتها وأسست لمصالحة وطنية مستمدة من قيم هذا الشعب ومن تعاليم دينه الحنيف، الذي رغم إقراره بالقصاص (النفس بالنفس والعين بالعين والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص..) فضّل الصفح والصبر؛ حتى لا يفتح المجال للأخذ بالثأر على أهواء البشر ونزواتهم بقوله: ”فمن تَصدّق به فهو كفارة له”.

وهذا مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر بن محيي الدين، يطلب من فرنسا في عز مقاومته لها، أن تنتدب رجال دين مسيحيين يرافقون أسراها روحيا ومعنويا على أن يضمن لهم كل الحرية والحماية؛ إيمانا منه بحرية الاعتقاد وحرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية.

وهي جزائر السلام والتسامح التي استقبلت قبل ذلك المضطهَدين من المسلمين وغير المسلمين الفارين من بطش ملوك إسبانيا (أوروبا) بعد سقوط الأندلس، وأمّنت لهم المأوى والمعاش بدون مساومة دينية أو عقدية.

وبهذه الروح أيضا تتعامل الجزائر في سياستها الإقليمية والقارية والدولية؛ تناصر السلام والسلم في العالم، وتناصر كل الأصوات الداعية إلى تكريس هذه الفضيلة الإنسانية والدينية في ربوع العالم، من خلال حوار الأديان وحوار الثقافات وتقبّل الآخر، ومن ثم ”العيش معا في سلام”.

وهو الشعار الذي اقترحته الجزائر على هيئة الأمم المتحدة، ليكون يوما عاليا تحتفل به المجموعة الدولية، وتجعله مرجعية لتآخي الشعوب وتعاونها لرفاه البشرية وإسعادها في كنف السلم والسلام.