الشهر الكريم

هكذا عاش رسول الله رمضان

هكذا عاش رسول الله رمضان
  • 208

يحق لنا أن نرهف السمع إلى نداء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبيل رمضان، حتى نتهيأ لهذا الشهر الكريم، ونتعرف على معالم عظمته، ونقف على ما أعده الله لعباده الصائمين. ففي حديث رواه ابن خزيمة والبيهقي وابن حيان عن سلمان رضي الله عنه قال: "خطبنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في آخر يوم من شعبان فقال: "يا أيها الناس قد أظلّكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة القدر خير من ألف شهر، جعل الله تعالى صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً. من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزداد رزق المؤمن فيه؛ من فطّر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء"، قالوا: "يا رسول الله، أليس كلنا لا يجد ما يفطر الصائم؟! 

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يعطي الله عز وجل هذا الثواب من فطّر صائماً على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن، وهذا شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار؛ فمن خفف عن مملوكه فيه غفر الله تعالى له وأعتقه من النار. استكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم عز وجل، وخصلتين لا غنى لكم عنهما. أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم عز وجل فشهادة أن لا إله إلا الله وأن تستغفروه، وأما الخصلتان اللتان لا غنى لكم عنهما فتسألون الله تعالى الجنة وتعوذون به من النار.. ومن سقى صائماً سقاه الله تعالى من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة". 

أظن هذه الخطبة الجامعة لا تحتاج إلى تعليق؛ فهي واضحة المعنى، جلية الأسلوب، استوعبت كل ما يمكن أن يوجَّه للمسلمين لاستقبال شهر رمضان.. والتهيؤ لهذه العبادة الروحية السامية.. 

والصيام أحد أركان الإسلام، وقد خصه الله تعالى بإضافته إليه؛ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتفق عليه: "قال الله عز وجل: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به". وفي توجيه هذه الإضافة أقوال للعلماء، منها أنه لم يُعبد أحد غير الله تعالى به؛ فلم يعظّم الكفار في عصر من الأعصار معبوداً لهم بالصيام وإن كانوا يعظمونه بصورة الصلاة والسجود والصدقة وغير ذلك. وقيل: لأن الصوم بعيد عن الرياء، لا يطّلع عليه إلا علام الغيوب. وكلما كانت العبادة أخفى كان الثواب أجزل. وقيل: لأن في الصيام تشبهاً بالملأ الأعلى؛ حيث يستغني الإنسان عن الطعام والشراب والشهوة فترة زمنية حددها الله تعالى بقوله: "أياماً معدودات". 

ولكل هذه المعاني وغيرها ضاعف الله تعالى ثواب الصائمين. والكريم إذا أخبر بأنه يتولى بنفسه الجزاء اقتضى عظم قدر الجزاء وسعة العطاء.. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل عمل ابن آدم يضاعَف؛ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: "إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به؛ يدع شهوته وطعامه من أجلي. للصائم فرحتان؛ فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك".