فيما أفسد تهور ولامبالاة البعض الفرحة

58 ولاية تجتمع بقمم "سويسرا" الجزائر

58 ولاية تجتمع بقمم "سويسرا" الجزائر
  • 716
  رشيدة بلال رشيدة بلال

شهدت الحظيرة الوطنية للشريعة، خلال عطلة نهاية الأسبوع المنصرم، تدفقا غير مسبوق للعائلات الوافدة من مختلف ولايات الوطن، بما في ذلك الأجانب، للاستمتاع واللعب بالثلوج التي انتُظرت طويلا، غير أن العدد الكبير للزوار والتصرفات غير المسؤولة لبعضهم، وإهمال تدابير السلامة والمبالغة في المغامرة، حولت متعة البعض إلى معاناة أفسدت فرحتهم. 

"المساء" وقفت على جملة من التجاوزات والمخالفات، التي كانت سببا في تعكير فرحة بعض العائلات، خاصة القادمة من خارج الولاية، التي جاءت للتمتع بمناظر الثلوج، التي صنعت بجبال الشريعة لوحة طبيعية ناصعة البياض.

يبدو أن اللهفة الكبيرة لزوار الشريعة، القادمين من مختلف ولايات الوطن، جعلتهم ينسون التقيد ببعض التعليمات والتوجيهات، التي ما فتئت مصالح الحماية المدنية والأمن والدرك الوطنيين، وحتى السلطات المحلية، التذكير بها لحمايتهم من بعض الحوادث التي تسجل سنويا، حيث شهدت عطلة نهاية الأسبوع المنصرم، تدفقا كبيرا لعشاق الرداء الأبيض على قمم الشريعة، ولعل ما عمق من معاناة البعض من الوافدين، توقف المصعد الهوائي، الذي جعل معظم الزوار يستعملون سيارتهم، والبعض الآخر يستعمل سيارة الأجرة، الأمر الذي أثر على قدرة استيعاب الحظيرة الوطنية للشريعة، التي استقبلت في وقت وجيز، كمّا هائلا من السيارات، ما طرح إشكالية ركن السيارات، وأحدث حالة من الفوضى، انعكست سلبا على الذين رغبوا في العودة إلى ديارهم، إذ وجودا صعوبة في الخروج من المنطقة.

وقد ترتب على ذلك، زحمة مرورية واختناق حرم الكثيرين من العودة إلى منازلهم، وظلوا عالقين في الزحام لأكثر من ثلاث ساعات، ولعل ما زاد الأمر تعقيدا، أنه بمجرد تغير  الأحوال الجوية في الفترة المسائية، وبدأت الأمطار بالتساقط، رغب الجميع في العودة في نفس الوقت، والنتيجة كانت حدوث انسداد، وهو ما أكده رئيس بلدية الشريعة، سميرة سماعيلية، في تصريح لـ«المساء"، حيث قال: "نتفهم لهفة الزوار ورغبتهم الكبيرة في زيارة الشريعة، غير أن الكثيرين تصرفوا بلامبالاة، الأمر الذي أظهر عجز البلدية عن احتضان العدد الكبير من الوافدين".

وحسب المسؤول، فإن الإقبال كان كبيرا من العائلات والشباب، وشهدت أيضا الحظيرة دخول عدد كبير من الرحالات المنظمة، مشيرا إلى أن الإشكال ليس في الإقبال، إنما في غياب روح المسؤولية عند البعض من أصحاب المركبات، الذين لم يحترموا قانون المرور، وبسبب بعض التجاوزات التي أحدثت انسدادا مروريا، وأوضح أن الشريعة لديها طاقة استيعاب محددة، غير أن ما حدث أنها عاشت تشبعا في وقت قصير، الأمر الذي عكر فرحة الكثيرين، لافتا إلى أن المنطقة التي لقيت إقبالا كبيرا عليها، هي منطقة التزلج، حيث رغب الجميع في اللعب فيها في نفس الوقت، وبسبب العدد الكبير، وجد حتى المتزلجون صعوبة في اللعب، بسبب حوادث الاصطدام التي وقعت، بالنظر إلى الكم الكبير من العائلات، خاصة الشباب والأطفال.

التحلي بالوعي وتجنب المغامرة ضرورة

من بين التصرفات التي كشفت لامبالاة بعض المتهورين والمغامرين، حسب المتحدث، "حب المغامرة من بعض الشباب تحديدا، حيث يتوغلون إلى بعض الأماكن داخل الغابة، وبسبب الضباب الكثيف، يجدون صعوبة في العودة"، وهو ما يكشف ما حدث مع مواطن رفقة زوجته، توغلا في الغابة، وبسبب كثافة الضباب، وجدا صعوبة في العودة، لو لا أن شبكة الهاتف كانت تعمل بشكل جيد، حيث تم الاتصال بالنجدة وتقديم الإسعافات الأولية لهما، بعدما تم تسجيل انخفاض في حرارة جسمهما. وأكد محدث "المساء"، في السياق، أن بلدية الشريعة ترحب بكل الزوار، ويعتبر هطول الثلوج بالنسبة للسكان حدثا هاما، خاصة بالنسبة للتجار الذين يستغلون الفرصة لإنعاش نشاطهم، غير أنه قال: "ما نؤكد عليه في كل مرة؛ متابعة الأحوال الجوية وتجنب الصعود وقت التساقط، والالتزام ببعض التدابير، خاصة ما تعلق منها باحترام قانون المرور وتجنب التجاوزات التي تتسبب في حالات الانسداد، وتجنب التوغل داخل الغابة، لتفادي التيهان، وتجنب مرافقة الأطفال الصغار من الذين يجدون صعوبة في تحمل البرودة الشديدة، فيترتب عن ذلك، انخفاض شديد في درجات حرارة الجسم، لتتحول المتعة إلى ندم وحسرة، ومنه تسجيل إقبال كبير على المصالح الصحية بقطاع الشريعة".

من جهة أخرى، أشار المتحدث، إلى أن مصالح البلدية، بالتنسيق مع الأمن والدرك، بادرت، بالنظر إلى تسجيل عدد من المخالفات، إلى تسطير مخطط نقل على مستوى الطريقين المؤديين إلى الشريعة، لتجنب حالات الانسداد، خاصة أثناء عطل نهاية الأسبوع، التي تعرف خلالها المنطقة تشبعا. وقال إن مصالح بلدية الشريعة تحث على التحلي بالوعي السياحي، عن طريق الاطلاع على حالة الطرقات وحالة الطقس، وتجنب بعض التصرفات التي تسيء للزوار، وتتسبب في وقوع بعض الحوادث الخطيرة".

جهاز أمني خاص بالشريعة لرفع مستوى اليقظة

من جهتها، أكدت العريف مريم بوعوينة صايغي، المكلفة بالإعلام على مستوى مصالح الحماية المدنية لولاية البليدة، أن تواجد هذا الجهاز خلال عطلة نهاية الأسبوع، بالحظيرة الوطنية للشريعة، يبين لهم أن بعض المواطنين لا يلتزمون بالتعليمات والتوجيهات التي تقدم لهم، بدليل "الحوادث الكثيرة التي تم تسجيلها، والتي سبق التنبيه عليها"، وفق المتحدثة التي أوضحت، أن أولى المخالفات التي تم التنبيه عليها، هو الصعود إلى مرتفعات الشريعة وقت التساقط، وهو الأمر الذي سبق التنبيه عنه، وتسبب في تسجيل العديد من حوادث الانزلاق، وانحراف السيارات والدراجات النارية"، وأكثر من هذا، تردف المتحدثة، "تسجيل حالات تيهان بسبب التوغل في أعماق الغابة، وعدم اصطحاب لوازم الحماية الفردية، الأمر الذي تسبب في تسجيل حالات انخفاض في حرارة الجسم، خاصة لدى كبار السن والأطفال الصغار"، مشيرة إلى أنه خلال عطلة نهاية الأسبوع فقط، تم تسجيل 62 تدخلا لحوادث سقوط وحوادث انخفاض في درجات حرارة الجسم، وبرودة الأطراف، وحادثين للدراجات النارية، وكذا انسداد مروري خانق، خاصة في الفترة المسائية، الأمر الذي ترتب عليه قضاء الكثير من الزوار وقت طويل داخل سياراتهم، بسبب صعوبة الحركة، مشيرة في السياق، إلى أنه تم تنصيب جهاز أمني خاص على مستوى الشريعة، وطريق عين الرمانة، إلى الضاية، للرفع من معدل اليقظة طيلة الفترة الشتوية.

استمتاع في أحضان الثلوج رغم برودة الطقس

وإذا كانت لامبالاة البعض وعدم التحلي بروح المسؤولية، عكر صفو بعض زوار الحظيرة الوطنية للشريعة، فقد عاش البعض الآخر أجواء ممتعة، خاصة في منطقة التزلج، حيث أنعشت الثلوج المتساقطة بكثرة تجارة كراء معدات التزلج، ونتج عن الطلب الكبير للمعدات، تسجيل نفاذ الكمية في وقت قصير، واضطر البعض إلى الانتظار، بينما اختار آخرون استعمال بعض الأدوات الأخرى للاستمتاع بالتزلج، حيث تباينت أسعار الكراء بين 300 إلى 600 دينار لمدة تتراوح بين نصف ساعة وساعة من اللعب، إلى جانب عروض أخرى خاصة برحلات على ظهور الأحصنة، لقيت هي الأخرى طلبا كبيرا عليها، خاصة من طرف الأطفال والشباب، بينما فضل آخرون صنع رجل الثلج والتقاط عدد من الصور والفيديوهات، ومقاسمة رفقائهم عبر منصات التواصل الاجتماعي، جمال الحظيرة الوطنية للشريعة وأشجار البلوط والصنوبر والأرز النادرة، التي اكتست حلة بيضاء، حيث سجلت مواقع التواصل الاجتماعي ارتفاعا كبيرا في عدد المشاهدات، لما تم مشاركته من فيديوهات للحظيرة الوطنية للشريعة بحلتها البيضاء، بينما هناك من ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث سمها بـ«سويسرا الجزائر"، لشدة جمال مناظرها الخلابة، التي ساهمت بطريقة غير مباشرة في الترويج للسياحة المحلية، والدفع بالأجانب إلى الرغبة في اكتشاف جمال ما تزخر به مرتفعات جبال الشريعة.

وإذا كانت معدات التزلج قد سجلت طلبا كبيرا عليها، فإن الأكلات السريعة الساخنة، خاصة ما تعلق منها بـ«المحاجب" وخبز "الطاجين" والشاي والمكسرات، قد لقيت هي الأخرى طلبا كبيرا عليها، الأمر الذي أنعش النشاط التجاري بالمنطقة، بعد ركود دام عدة أشهر، نتيجة تسجيل تأخر في هطول الثلوج، في حين سجل الطلب على كراء الشاليهات للراغبين في قضاء بعض الأوقات في مرتفعات الشريعة، تشبعا، حيث كانت كل الشاليهات مؤجرة، ما اضطر، حسب بعض ملاك الشاليهات، إلى الإعداد لقائمة الانتظار، وحسب رئيس بلدية الشريعة، فإنه خلال عطلة نهاية الأسبوع فقط، كانت كل ولايات الوطن حاضرة وبقوة، بما في ذلك زوار أجانب، حيث تم تسجيل توافد سياح من النيجر.

مديرية البيئة تحث على احترام التنوع الإيكولوجي

دعا مدير البيئة لولاية البليدة، وحيدة تشاشي، زوار الحظيرة الوطنية للشريعة، إلى احترام هذا المتنفس الطبيعي والإبقاء على بياض ثلوجه الناصعة، من خلال التحلي ببعض التصرفات الإيجابية، خاصة ما تعلق منها، بعدم رمي النفايات في هذه الفضاءات الطبيعية، وقال: "إن البيئة تحتاج منا أن نبادلها الاحترام الذي يظهر، من خلال عدم المساس بتنوعها البيئي والإيكولوجي، حتى تبقى الشريعة مزارا مبهرا يستمتع به كل الزوار من كل ولايات الوطن".

وحسب المتحدث، فإن الحظيرة الوطنية للشريعة تحصي أكثر من 380 نوع نباتي، وأكثر من 800 فصيلة من الحيوانات، وتمتد على أكثر من 26 هكتارا، وتقع على ارتفاع 1600 متر بأعالي جبال الأطلس البليدي، تبعد عن قلب مدينة البليدة بحوالي 20 كلم، وعن العاصمة بحوالي 50 كلم. مشيرا إلى أن هذا القطب السياحي، الذي يضم بعض الشاليهات والمقاهي والمطاعم وفضاءات للراحة، يجذب إليه آلاف الزوار من العائلات والوفود والشخصيات المرموقة وطنيا ودوليا، من سفراء وقادة دول، على مدار وامتداد كل فصول السنة، خاصة في فصل الشتاء، الذي يتزامن وسقوط الثلوج، ويختم بالقول: "الشريعة اليوم كغيرها من العديد من مناطق الجزائر، تكتسي حلة البياض الناصع، وتفتح ذراعيها للجميع، وعلى كل الزوار التحلي فقط بروح المسؤولية واحترام جمالها وتنوعها الطبيعي."