قرى تيزي وزو تتسابق لتنظيمها في رمضان

"تيمشرط".. موعد للتضامن والأخذ بيد المعوزّين

"تيمشرط".. موعد للتضامن والأخذ بيد المعوزّين
  • القراءات: 1381
س. زميحي س. زميحي

تشهد، منذ بداية شهر رمضان الكريم، قرى ولاية تيزي وزو احتفالات ومراسيم إحياء عادة "تيمشرط" أو "لوزيعة" أو "تسبيثة"، كما يسميها البعض؛ عادة متجذرة في الموروث الاجتماعي عند العائلات القبائلية، التي ظلت على مر السنين، تحييها للتضامن والتكافل مع المعوزين والفقراء، لإعالتهم، وتمكينهم من الظفر بحصة من اللحم أمام فقرهم وعجزهم عن اقتنائه خاصة خلال الشهر الفضيل؛ إما لكون العائلة متكونة من يتامى، أو لأن رب الأسرة مريض أو أجرته ضعيفة، أو لغياب الدخل أصلا.

توالت صور ومشاهد إحياء قرى تيزي وزو عادة "تيمشرط" تزامنا مع حلول شهر رمضان الكريم؛ فهناك من تعوّد على تنظيمها خلال أيام الشهر الفضيل أو مع بداية الصيام، وهناك من يفضل تأجيلها إلى يوم 27 من رمضان؛ لتمكين العائلات الفقيرة والمعوزة من الظفر بحصة من اللحم، توجَّه حصة منه لإعداد مائدة إفطار ما تبقّى من رمضان، والجزء الآخر لاستقبال العيد، فيما غابت هذه العادة عن بعض القرى لسنوات، لتقرر إعادة إحيائها من جديد نظرا لأهميتها في رسم البسمة على وجوه المعوزين، وإعالتهم في إطار التضامن والتكافل.

وتبدأ التحضيرات لتنظيم تيمشرط من خلال قرار تتخذه لجنة القرية، بتحديد التاريخ، ومن ثمة جمع المال، الذي، غالبا، ما يكون متوفرا في صندوق الزكاة الذي تحوز عليه القرى، ويتم تمويله بشكل مستمر بفضل تبرعات السكان والمغتربين، واستغلال ماله في إنجاز أشغال ذات مصلحة عامة من جهة، ومن جهة أخرى، أخذ حصة من المال لإحياء عادة تيمشرط، وأحيانا يتم تخصيص المال لتيمشرط بدون اللجوء إلى الخزينة.

تاجمعات نتادرت.. دراسة انشغالات القرية واتخاذ القرارات

يجتمع مشايخ القرى مع السكان بتاجمعت نتادرت من أجل النظر في عدة مسائل، حيث تعمل القرى وفقا لجدول يتم ضبطه من بداية السنة إلى آخرها، والذي يتقيد به الجميع؛ ما سمح بتنظيم أمورهم، وتسيير مسائلهم بدون مشاكل، غير أن هناك بعض القضايا التي تبقى للنظر فيها مع الوقت، وهذا يتوقف على عدة معايير، منها الإمكانيات المادية، والزمن، وبالنظر إلى بعض المستجدات؛ مثلا تاريخ معيّن، أو مناسبة، أو حدث أو غيرها، يرتبط بها قرار إنجاز عمل أو إحياء عادة معيّنة، مثلما هي الحال بالنسبة لتيمشرط، التي هناك من يحييها قبل حلول رمضان أو خلاله، بينما نجد من يفضّل إحياءها في أواخر شهر الصيام.

والفصل في مثل هذه الأمور يكون بتاجمعت نتادرت؛ حيث يلتقي الرجال كبارا وصغارا للنظر معا في مسائل القرية، وتقديم اقتراحات، وطرق وحلول لمشاكل، كل حسب وجهة نظره، ليتم اتخاذ القرار معا، والذي يتفق عليه ويتقيد به الجميع؛ إذ يتم الاتفاق، مثلا، على مكان اقتناء العجول لتنظيم تيمشرط. وقد يكون اقتراح البعض شراءها من مربي القرية أو القرية المجاورة، أو بالتوجه إلى السوق، وطبعا في كل من هذه الحالات يكون الثمن وفقا لما هو موجود في السوق؛ بمعنى إن وقع الخيار على مربي البقر التابع للقرية، فإن ثمن العجول يحدده السوق، كما أن هناك من يقرر التبرع بعجول أو خرفان أو ماعز، ويتم الإعلان عنه في هذا الاجتماع، ليتم معرفة مجمل الأضاحي المتوفرة، ففي نهاية الأمر تتحدد الأضاحي التي يتم نحرها، والمتبقية يتم بيعها، واستعادة المال لاستغلاله في إنجاز مشاريع لفائدة القرية، وأحيانا إعادة استغلالها في اقتناء العجول لموعد جديد، مع إحياء عادة تيمشرط العام المقبل أو الذي يليه.

وتحوز القرى على مكان خاص بتنظيم عادة تيمشرط، وغالبا ما يتم إحياؤها بساحة مقامات الأولياء الصالحين؛ حيث يجتمع الرجال للتعاون على نحر وغسل الأضاحي من العجول والخرفان والماعز وغيرها، ليتكفل فريق من الرجال بتقسيم اللحم على حسب عدد أفراد العائلة؛ ما يسمى بـ "ثيخامين"، وهو نظام لم يتغير منذ عهود طويلة. هذه التظاهرة الثقافية التقليدية الشعبية التي لاتزال تمارَس إلى يومنا هذا، تُعد أهم احتفال للتضامن والتكافل، يسمح بإطعام الفقير والمعوز؛ فهي شكل من أشكال التآزر بين السكان.

ويوزَّع اللحم على شكل مجموعات، ويتم  وضع لوائح اسمية، ومناداة رب العائلة لتفادي نسيان أحد من القرية. ويبقى في نهاية الاحتفال أطراف ورأس الأضحية "بوزلوف" وكذا الهيدورة التي يتم وضعها جانبا وبيعها في المزاد من طرف مشايخ القرية، ليتم إيداع مالها في الخزينة، لكن في حالات ليست بالكثيرة، تطالب بعض العائلات بمنحها رأس عجل وطهيه وتناوله من طرف زوجة الابن. ويقال إن هذه العادة قديمة، يوصى بها للمرأة التي تعاني الإجهاض المستمر أو التي تلد أطفالا ثم يموتون. 

تيمشرط.. شكر لنعم الله وتقوية أواصر المحبة والتضامن

عادت العديد من القرى لإحياء عادة تيمشرط بعد سنوات من الغياب، لتتزامن مع شهر رمضان الفضيل. مناسبة مواتية لإطعام الفقراء، وإتاحة المجال للقاء السكان واجتماعهم للتعاون، لضمان إنجاحها وبلوغ الهدف؛ حيث إن بقاء واستمرار السكان في إحياء هذه العادة ليس فقط لكونها موروثة وقديمة، وإنما نظرا لما تحمله من رموز ودلالة، من شأنها أن ترسخ روح التعاون والتواصل والمحبة بين أفراد القرية.

وتصاحب تيمشرط إعداد النساء أطباقا تقليدية متنوعة من الكسكس بالبقول والبيض المسلوق، والحلويات التقليدية اللذيذة، والبغرير، والمسمن وغيرها. ويتم تبادل الأطباق بين العائلات؛ إذ يكون للفقراء أكبر حصة؛ بمنح كل عائلة حصة من الأكلات التي حضّرتها. كما أن هناك حرية في إضافة أشياء أخرى، مثلا مواد غذائية، وفواكه، وملابس، ومال وغيرها. وتوارثت العائلات هذه العادة التي تستدعي خلق أجواء تضامنية لإدخال الفرحة في نفوس المعوزين من سكان القرى والمداشر. كما أن الهدف الأساس منها هو شكر الله على نعمه، والتضرع له ليرحمهم ويحميهم من السوء والأمراض، وحتى تكون الأشهر والأيام المقبلة خيرا لهم، إلى جانب حرص السكان على زرع صور التضامن والتآزر، واستمرار تعزيز أواصر الأخوة، ومساعدة الآخر، والتشارك والتقاسم.

وتتميز الأجواء وسط العائلات القبائلية خلال شهر رمضان الكريم، بالحماس والفرحة التي نلمسها في كل شيء ونلاحظها على كل فرد من العائلة، وهم يتعاونون ويتضامنون معا وفقا للتقاليد والعادات التي ورثوها، وهي فرصة، أيضا، للتصالح والتسامح وطي صفحات الخلافات والنزاعات، وبداية جديدة.