مسجد الشيخ الطيب العقبي بباش جراح

جهود الخيّرين حولت مصلىً إلى قلعة دينية بامتياز

جهود الخيّرين حولت مصلىً إلى قلعة دينية بامتياز
الشيخ نور الدين شهاب
  • 1954
رشيد كعبوب رشيد كعبوب

كوكبة من المشايخ والعلماء يؤطرون الدروس والمجالس العلمية

❊ المدرسة القرآنية ذاع صيتها والأمل معقود لتحويلها إلى معهد للعلوم الشرعية

❊ أشغال العصرنة والتوسيع بدأت في 2020 وتشرف على نهايتها 

تحوّل مسجد الشيخ الطيب العقبي بالطرق الأربعة بباش جراح، منذ السنوات الأخيرة، إلى صرح ديني وعلمي بامتياز، بفضل إرادة الخيّرين من أبناء الحي، وأموال المحسنين، وجهود الإطارات المسيّرة له منذ أن كان مسجدا قديما مغطى بالقرميد ذات سنة، ليصبح، اليوم، بمدرسته القرآنية ومقرأته ومجالسه العلمية، ملتقى لخيرة المشايخ في شتى العلوم الشرعية والمقرئين والمُحفّظين لكتاب الله، الذين تخرَّج على أيديهم العديد من حفّاظ القرآن، واستفاد المصلون من دروسهم العلمية وفتاواهم الدينية.

زائر مسجد الشيخ الطيب العقبي، اليوم، يلاحظ تلك اللمسة العصرية، والتصميم الهادف لهذا المرفق، الذي شُيد في ظرف قياسي، ويتكون من 4 طوابق وميضأة تحت أرضية، توشك أشغالها على الانتهاء.

وللتعرف على هذا المسجد الذي وُلد صغيرا بسيطا منذ الاستقلال في حي بسيط بالطرق الأربعة ببلدية باش جراح، حسبما روى لـ"المساء" الإمام وخطيب الجمعة بالمسجد الشيخ نور الدين شهاب، الذي كان يوما ما طالبا به، حفظ به القرآن، وتدرّج في العلم والتكوين، ليصبح إماما به منذ عشر سنوات، فعهِد على نفسه أن يجعل منه مركز إشعاع، وموردا كثير الزحام.

من مسجد ضيق بسيط إلى صرح دينيّ كبير

يروي الشيخ شهاب الذي استقبلنا بمقصورة المسجد وطاف بنا على مكوناته، أن مسجد الشيخ الطيب العقبي شُيد في 1963 عندما كان عبارة عن مصلى صغير مغطى بالقرميد، مشيَّدا على أرضية وقفية، كان يقدم خدماته كباقي المساجد الصغيرة في حي بسيط، لكن عندما توسع العمران وازدادت الكثافة السكانية منذ الثمانينيات، لم يعد المسجد يسع جموع المصلين وطلبة القرآن من أبناء الحي، فجاءت فكرة توسيعه واستغلال المساحة الأرضية الوقفية المتبقية، وإيجاد حل لـ 6 عائلات شيدت عليها سكناتها منذ ثمانينيات القرن الماضي.

وذكر الشيخ نور الدين شهاب، أن مساحة الأرضية التي كانت مستغلة من قبل العائلات، كانت تمثل 60 ٪ من المساحة الإجمالية للوعاء العقاري الوقفي، ليتم، بعد التنسيق مع مصالح ولاية الجزائر، ترحيل العائلات المذكورة في 2018، في إطار برنامج القضاء على القصدير والسكن الهش، ليتسنى بعدها لإمام المسجد وأهل البر والإحسان من أبناء الحي، تجسيد مشروع مسجد واسع، يحقق المقاصد الشرعية، ويلبي احتياجات السكان؛ سواء في أداء العبادات، أو تعلُّم القرآن وعلومه.

ويفصل الشيخ شهاب بأن عملية الهدم كانت تتطلب إيجاد مكان آخر لضمان أداء الصلوات الخمس، وصلاة الجمعة بعد التخلص من البناء الهش المشيّد على الأرضية، التي تتربع على مساحة إجمالية تقدر بـ 600 متر مربع، فكان مبنى المدرسة القرآنية رغم صغر مساحته، الحل الوحيد حينها، لتنطلق أشغال هدم المبنى القديم للمسجد في 2020. وكانت الظروف الوبائية مناسبة جدا؛ إذ أن أغلب المصلين كانوا مجبرين على أداء الصلوات في منازلهم؛ درءاً للخطر.

"وما إن شارفت سنة 2021 على الانتهاء حتى انطلقت ـ على بركة الله ـ أشغال إنجاز الهيكل الجديد للمسجد " ـ يقول الشيخ شهاب ـ " وفق تصميم عصري، ومتابعة تقنية من قبل مكتب دراسات ومصالح المراقبة التقنية للبناء "سي تي سي". وتم استغلال وقت كورونا لدفع الأشغال، وحينها حوّلنا قاعة الصلاة إلى مقر المدرسة القرآنية، حتى اكتمل مشروع المسجد، ولم يبق منه إلا جناح الميضأة، الذي تجري أشغاله بتمويل من المحسنين".

هذه قصة إنشاء المدرسة القرآنية التي ذاع صيتها

يروي الإمام شهاب أن المسجد القديم لم يتوقف عن تحفيظ القرآن رغم صغره، لكن فكرة إنشاء مدرسة قرآنية بجوار المسجد، كانت حلما يراوده ويتعلق به طلبة الحي وأولياؤهم، فتناهى إلى أسماع الإمام وجيران الحي، أن ورثة صاحب بناية مجاورة يريدون بيعها، فهي لصيقة بالمسجد، وتتكون من طابق أرضي و4 طوابق علوية، ومساحة تعادل 200 متر مربع، ليخطب الإمام في الناس يوم الجمعة، ويطلب من المحسنين المساعدة في اقتناء هذه البناية وتحويلها إلى مدرسة قرآنية، ليظهر أحد المحسنين ويتعهد بشراء المِلك العقاري، وتوقيفه للمسجد؛ حيث كان هذا الخبر بشرى كبيرة بالنسبة لأبناء الحي وأوليائهم، الذين تنفسوا الصعداء، واستبشروا خيرا بهذا المرفق الذي وصفوه بـ "الفتح الكبير".

وقال الشيخ شهاب إن البداية كانت بتثبيت عملية التوقيف، وتحصيل كل الوثائق من لدن مديرية الشؤون الدينية والأوقاف لولاية الجزائر، التي وفرت كل التسهيلات للموافقة على تحويل البناية إلى مدرسة قرآنية، سميت على بركة الله "مدرسة تاج الوقار لتحفيظ القرآن وتدريس العلوم الشرعية"، التي شهدت إقبالا كبيرا من الطلبة لحفظ كتاب الله وعلوم الدين، وتدريس التفسير، والمتون العلمية، وأحاديث الأربعين النووية، وأحكام التجويد والترتيل.

ويضيف محدثنا أنه أعيد تأهيل المدرسة وتأثيثها بمختلف بالتجهيزات الضرورية، بفضل المحسنين. وانطلق نشاطها رسميا في 2021 بشكل محتشم، لكن بدأت التسجيلات في 2022 تتضاعف؛ حيث وصل عدد الطلبة بعدها، إلى 1300 طالب وطالبة؛ حتى اضطر المسيّرون لتوقيف التسجيل، فتم تسجيل طلبة من العديد من بلديات العاصمة والولايات المجاورة؛ منها باش جراح، وباب الوادي، وبئر خادم، وحيدرة، وجسر قسنطينة، وبرج الكيفان، والقبة، وباب الزوار، وحتى من البلديات المجاورة؛ مثل حمادي بولاية بومرداس، يدرسون ضمن أفواج تعليمية. ويشرف على تسيير المدرسة القرآنية طاقم إداري. كما يؤطرها 35 معلم قرآن وعلوم شرعية، منهم 20 معلمة يخضعون لدورات تدريبية، يشرف عليها أساتذة مختصون.

مسابقات في حفظ القرآن وترتيله

دأبت المدرسة القرآنية، حسب الشيخ نور الدين شهاب، على تنظيم مسابقات في حفظ القرآن وترتيله كل سنة. ففي 2022 نظمت مسابقة وطنية في حفظ القرآن. وفي 2021 و2022 نظمت مسابقتين في ترتيل القرآن. أما في 2023 فقد نظمت مسابقة ولائية في حفظ القرآن، وزعت فيها جوائز وهدايا قيّمة؛ منها 6 عمرات. وتعتزم خلال هذا الشهر الفضيل، تنظيم "مسابقة الريان لحفظ القرآن الكريم" ؛ حيث سيقام حفل توزيع جوائزها في 27 من رمضان الجاري.

كما كشف الشيخ عن مسابقة وطنية أخرى باسم المسجد والمدرسة والمقرأة، تُعد الأولى من نوعها في الخط القرآني، موسومة بـ "كاتب القرآن" ؛ للتنافس على أحسن خط بالنسخ المصحفي برواية ورش عن نافع، يؤطرها الخطاط الجزائري عبد الرحمان مولاي، ستكلَّل بتوزيع جوائز قيّمة.    

مقرأة رسمية، دروس مسجدية ومجالس علمية

ولم تتوقف جهود المسيّرين عند حد عصرنة بناية المسجد، واستحداث مدرسة قرآنية فحسب، بل تعدى ذلك إلى توفير فروع تخدم القرآن الكريم وعلومه، ومنها المقرأة التي دشنها مدير الشؤون الدينية السابق ويشرف عليها الشيخ عزوز مفتاح، وهو عضو لجنة الإقراء بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، والشيخ فتحي بودفلة رئيس النشاط العلمي، والشيخ زهير الصادق المشرف العام على المدرسة القرآنية، ورئيس لجنة التنظيم الإداري للمقرأة. 

كما انطلقت بالمسجد "المجالس العلمية" لتقديم دروس ودورات علمية في الفقه، والعقيدة، والتفسير، والحديث.. وغيرها من العلوم الشرعية، مخصصة لعموم الطلبة والمصلين، ينشطها كوكبة من المشايخ؛ منهم  الشيخ حمزة بلقاسم، والشيخ عبد القهار غلاب الذي يقدم دروسا في فقه الأذكار والأدعية، والشيخ محمد زايدي في فقه الحديث، والشيخ الطاهر ضروي في فقه التفسير، والشيخ فتحي بودفلة في علوم القرآن، والشيخ عبد الرحمان كيجاوز في أصول الفقه؛ حيث تنظَّم هذه اللقاءات بعد صلاة المغرب في غير رمضان، إضافة إلى دروس مسجدية، يقدمها كوكبة من المشايخ؛ منهم البروفيسور عماد بن عامر، والشيخ محيي الدين توفيق.

وقال الإمام شهاب إن "مسيّري مسجد الشيخ الطيب العقبي بمكوناته التكوينية والعلمية، يطمحون لإعادة توسيع المدرسة، وبنائها بتصميم عصري، وتحويلها مستقبلا، إلى معهد للعلوم الشرعية".