أحمد راشدي وبشير درايس لـ"المساء":
حان الوقت للالتفات إلى شخصياتنا الثورية وتناولها في أفلام سينمائية
- 1224
لا يمكن أن يخلو أي فيلم تاريخي من وقائع أو شخصيات خيالية، ولو كانت نزرا، لأن الفيلم الخيالي في آخر أمره يستلزم صنعه الانصياع لضوابط يمليها الفن السابع، وفي هذا السياق، اتصلت "المساء" بالمخرج السينمائي أحمد راشدي، صاحب المسيرة الحافلة بالأفلام التاريخية، مثل «الأفيون والعصا» و«مصطفى بن بولعيد» و«كريم بلقاسم»، والمنتج بشير درايس الذي يعكف على إنتاج فيلم عن الشهيد العربي بن مهيدي، وطرحت عليهما أسئلة تتعلق بإمكانية الإفصاح عن وصفتهما المتعلقة بدمج الوقائع التاريخية بالخيال، وعن عملية جمع المعلومات عن الشخصيات التاريخية في ظل الكتابات النادرة بشأنها وأسئلة أخرى.
أحمد راشدي:
هدفي تمجيد شخصياتنا واستعمال الخيال في العمل التاريخي ضروري
اعتبر المخرج أحمد راشدي أن التاريخ هو المادة الخام، فحينما نكتب سيناريو فيلم تاريخي، نعتمد في ذلك على أحداث وقعت بالفعل، تجمع بين أفراد العائلة والرفقاء، وحتى الكتب، بعدها يكتب العمل اعتمادا على ضوابط تمليها السينما، إذ يجب تحويل الكتابة إلى صور تقدم للجمهور، وهذا التحويل أو الترجمة - حسب راشدي- خيانة للعمل الأصلي، بحيث أن كل ترجمة في الإبداع تقابلها خيانة للأصل، فمثلا عندما يكتب شخص سيناريو عن كريم بلقاسم مستندا إلى معلومات استقاها من محيطه، لكن سيتعرض عمله هذا إلى خيانة حينما يتحول إلى جنس آخر، يتمثل في الفن السابع. وفي هذا السياق، ذكر المتحدث وجود ١٢ ألف رواية في العالم، تحولت إلى أفلام سينمائية، فقط خمسة من كتابها اقتنعوا بها والبقية، وكم هم كثر، شعروا بالسخط والامتعاض من الثوب الجديد الذي ارتدته أعمالهم، مع ذلك، قال راشدي؛ "السينمائيون مجبرون على التنقل إلى عالم الخيال من خلال منح حياة ووجه وحركة لشخصيات الرواية، وهو ما لا يمكن أن يقوم به الكاتب الذي يمكن أن يصف شخصية معينة في مئات الصفحات، إلا أنه لا يستطيع أن يقدم لها مظهرا خارجيا، وأضاف؛ هذه الفعلة خيانة منا، بحيث يعيد تشكيل الشخصيات وفق ضوابط تلزمها السينما، من بناء درامي وسرد وإيقاع واحترام تسلسل المشاهد وغيرها، ففي السينما مثلا، لا يمكن تصوير مشهد شخص جالس في مكتب، ومنه وضع مشهد آخر مباشرة لنفس الشخص وهو يصعد الجبل، لهذا، يجب احترام هذه القواعد، ومن بينها أيضا تقديم الفيلم في زمن لا يتجاوز الثلاث ساعات. وأوضح راشدي أنه يمكن إضافة شخصيات إلى الفيلم أو جمع شخصيات متشابهة في الرواية في شخصية واحدة، فالكاتب يمكنه أن يضع عشرة آلاف شخصية في روايته، فهو حر، وقدم مثالا عن الكاتب الشهير غارسيا ماركيز في روايته "مائة سنة من العزلة"، حينما اعتمد على شخصيات كثيرة تجبر القارئ على العودة إلى الصفحات التي قرأها حتى يفهم هوية كل شخصية، خاصة أن العديد منها تحمل نفس الاسم وأخرى تتغير أسماؤها، لكن لا يمكن أن يحدث ذلك في السينما، وانتقل صاحب فيلم "الأفيون والعصا" إلى عمله الأخير الذي من المفروض أن يعرض في الشهر الجاري، وهو حول شخصية "كريم بلقاسم"، وقال بأنه قبل الشروع في إنجاز فيلم عن شخصية تاريخية، يجمع أكبر عدد من المعلومات من شهادات العائلة والرفقاء والكتب والأرشيف، وهكذا يتمكن من إعطاء شكل معين للشخصية ويزودها بالجانب البسيكولوجي، كما يمكن إضافة شخصيات خيالية لتسهيل الانتقال من الرواية إلى الفيلم، ولا ضرر في ذلك، باعتباره عمل خيالي، بل أحيانا يتجاوز الخيال والواقع، شرط أن تحترم فيه قواعد الفن السابع، فهناك انحرافات عن المواضيع لا يجب أن نعتمد عليها وإلا ضاع المشاهد في متاهات أحداث الفيلم. وأرجع راشدي اختياره لكريم بلقاسم، إلى كونه شخصية متميزة جدا، تطرق إلى حياته من ١٩٤٥ إلى ١٩٦٢، ولم يتناول حيثيات وفاته ليس بغرض المراقبة الذاتية أو خوفا من أي شيء، بل لأن الفترة التي تطرق إليها من حياة كريم بلقاسم ثرية جدا، داعيا المخرجين إلى إنجاز فيلم عن بقية حياة هذا المناضل الفذ الذي عاش أحداث ما قبل الثورة الجزائرية والحركة الوطنية. صعد إلى الجبل سنة ١٩٤٧، (سبع سنوات قبل جميع المجاهدين)، وكان ضمن مجموعة عسكرية قاتلت العدو، وهو من مؤسسي جبهة التحرير الوطني والرجال الذين خططوا لثورة أول نوفمبر، وتحديدا في تاريخ اندلاع الثورة، فكان من بين الذين قدموا لغة جديدة للثورة تتعلق برفع السلاح في وجه العدو تطبيقا لمقولة "من دخل بالقوة لن يخرج إلا بالقوة"، كما كان قائدا كبيرا للولاية الثالثة التاريخية، وكان بلقاسم أيضا عقيدا قبل الجميع، ومن بين منظمي مؤتمر الصومام الذي جرت أشغاله في منطقته وتحت مسؤوليته. وكان عضو لجنة التنسيق والتنفيذ، وهي أول مؤسسة تسير الثورة، وعضو المجلس الوطني للثورة الجزائرية. تقلد منصب وزير أكثر من مرة وكان نائب رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة، ورئيس لجنة المفاوضة لاتفاقيات إيفيان، لهذا فهو شخصية تملك مسارا ثريا جدا.
وأكد راشدي على الانتهاء من إنجاز فيلم عن شخصية تاريخية أخرى، وهي "العقيد لطفي"، بعد أن قدم فيلما عن "مصطفى بن بولعيد" بغية التعريف بهذه الشخصيات الفذة التي لم يكتب عنها التاريخ الشيء الكثير، وحول موضوع كتابة التاريخ، اعتبره بأنه يكتب من المؤرخين فعلا، لكن في أغلب الأحيان يمليه المنتصرون، كما يسلط الضوء على الوقائع أكثر بكثير من الفاعلين، فمثلا التاريخ يهتم بالأحداث التي قام بها نابليون أكثر بكثير من هذه الشخصية التي تتحول إلى عنصر ثانوي، في نظر المؤرخين الذين يصفون الحدث أكثر من فاعله، لهذا أكد المتحدث أنه لم يكتب كثيرا عن تاريخ الجزائر، وما كتبه كان عبارة عن شهادات وسير ذاتية، فمثلا وجد كتابا واحدا عن كريم بلقاسم، فهل يعقل ذلك؟ وقال؛ هل من المنطقي ألا تجذب شخصية هامة أقلام المؤرخين؟ كيف لجامعات أمريكية أن تهتم بجميلة بوحيرد وتنتج أكثر من ١٢٠ مذكرة دكتوراه، وفي نفس الوقت نتجاهل هذه الشخصية في الجزائر، نعم، كم عدد المذكرات التي تهتم بهذه المجاهدة في بلدنا؟ موضحا أن التاريخ ذاتي وإذا أردنا البحث عن الموضوعية، سنجدها في علم الآثار، وأشار إلى إسرائيل التي يؤكد علماء الأثار عدم وجودها، بينما يتحدث المؤرخون بلغة أخرى، من نصدق إذن؟ هل من أحد يملك البرهان الذي لا غبار عليه أم ذلك الذي يقترن بسياسة ما أو ذاك الذي يساند قضية ما؟» في الأخير، أكد المتحدث أن عملية جمع المعلومات حول فيلم كريم بلقاسم لم تكن صعبة بالمرة، لأنه شخصية معاصرة والعديد ممن رافقوه ما يزالون على قيد الحياة، مثل زوجته وأبنائه وبعض رفقائه، حتى ولو وجدت معلومات متناقضة، فيجب التعامل معها وفق المبدأ أو الهدف الذي سطره منذ بداية الفيلم، ألا وهو تمجيد هذه الشخصيات الثورية، فكريم بلقاسم، مثلا، قام وهو في سن ٢٥ عاما بإنجازات باهرة في انتظار إنجاز ٢٩ مشروعا قادما.
بشير درايس:
اختياري لـ"بن مهيدي" عرفان بدور المثقفين في الثورة
أوضح المنتج بشير درايس أنه بصدد القيام بآخر التحضيرات لفيلم "العربي بن مهيدي" قبل بداية التصوير، في الأيام المقبلة، الذي سيكون في كل من الجزائر العاصمة، بجاية، وهران، بسكرة وتونس وسيستغرق ستة أشهر، مضيفا أن جمع المعلومات لإنتاج فيلم عن هذه الشخصية الفذة كان صعبا جدا، حيث أنه علاوة على استغراقه ثلاث سنوات كاملة، فإنه تطلب تكوين لجان اتصلت بكل شخصية عرفت بن مهيدي، سواء من قريب أو بعيد، وتصويرها، بالتالي الاعتماد على هذه الشهادات باعتبار أنه لا يوجد أرشيف في الجزائر عن شخصياتنا الثورية، أو لنقل يوجد النزر منها، وعن بن مهيدي كتب الهاشمي ترودي، صديق طفولته، كتابا عنه، إلى جانب خالفة معمري، وقال؛ توجهنا وبصعوبة كبيرة إلى أرشيف فرنسا للمزيد من المعلومات، للأسف، لم يكتب المؤرخون الكثير عن هذه الشخصيات، وهو ما سبب لنا صعوبات كبيرة، وفي هذا السياق، أوضح درايس أن شقيقة بن مهيدي قدمت بعض المعلومات المتعلقة بالشهيد، إضافة إلى ما يقارب عشرين شخصا قاموا بنفس المهمة، حيث انتقل فريق عمل الفيلم إلى القرية التي تسكن بها عائلته، لتكون النتيجة؛ سيناريو من كتابة مراد بوربون وعبد الكريم بهلول، مشيرا إلى عدم إضافة الجانب الخيالي الذي نجده عادة في الأعمال السينمائية، اللهم إلا القليل جدا والضروري فعلا، لأن حياة بن مهيدي ثرية فعلا، لهذا أكد درايس الوفاء لقصة حياة العربي بن مهيدي، هذه الشخصية التي صنعت رفقة شخصيات أخرى، مثل بن خدة وبوضياف وبلوزداد وعبان الاستقلال الذي تحقق سياسيا وخطط له من طرف مثقفين، لذا -يضيف- أردت من خلال هذا الفيلم أن أنوه بعمل مهندسي الثورة الجزائريين والتعريف بهم داخل وخارج الوطن. وفي إطار آخر، أكد المنتج أنه لم تكن لديه مشاكل في التمويل، بل أصبحت الدولة الجزائرية تقدم أموالا كثيرة لمنتجي الأفلام، عكس ما كان يحدث في الماضي لكن النتيجة غير مرضية، فنوعية أكثر الأفلام التي أنتجت مؤخرا، غير جيدة بالمرة، موضحا أن فيلم بن مهيدي تم الاعتماد فيه على التمويل المحلي العمومي والخاص، حيث منحت له رخصة الإنتاج، شرط عدم الاستفادة من التمويل الخارجي، وهو ما تم فعلا رغم ولوجه عالم الإنتاج منذ ٢٥ سنة، فإن فيلم بن مهيدي الذي سيخرجه شاد شنوقة، هو الأول لدرايس في النوع الثوري، رغم إنجازه لفيلم مع بهلول بعنوان "رحلة إلى الجزائر العاصمة" الذي تطرق فيه للثورة الجزائرية، كما لديه مشاريع في المستقبل مع الكاتب ياسمينة خضرا، لكن قبل كل شيء، تركيزه منصب حاليا على فيلم "بن مهيدي" الذي يريده فيلما دوليا يصدر إلى الخارج ويشارك به في المهرجانات الدولية، وقال؛ فيلمنا هذا ليس فيلما تجاريا بل هو مخصص للذاكرة، نريد أن يشاهده الناس في جميع الأماكن ولو مجانا، فتقريبا بعد فيلم "معركة الجزائر" لم نشاهد فيلما ثوريا عن الجزائر معروضا في المهرجانات، بسبب مشكلة القلة أو عدم عرض الأفلام الجزائرية على التلفزيون الجزائري، وقال عنها درايس بأنها قضية شائكة لا نجد لها تفسيراو فالتلفزيون الجزائري، منذ رحيل مديرها الأسبق حمراوي حبيب شوقي، لا يمول إنتاج الأفلام الجزائرية ولا يعرضها، وطرحت هذه المشكلة على وزيرة الثقافة السيدة لعبيدي نادية، كما تطرق إلى قلة القاعات السينمائية، فالفيلم الجزائري لا يعرض في القاعات ولا حتى على شاشة التلفزيون، فكيف يتعرف الجمهور الجزائري على الإنتاج السينمائي المحلي في هذه الظروف؟ وفي هذا السياق، أنتج درايس حوالي ١٤ فيلما لم يشاهدها الجمهور الجزائري، بينما عرضت في الخارج في المهرجانات والقنوات الخاصة، كما أن مهمة المنتج السينمائي في الجزائر ليست سهلة أبدا من حيث مواجهته للكثير من المشاكل المتعلقة بالتحويل وصنع الفيلم، ومنه تسويقه، كما أن المنتج الحر لا تعرض أفلامه في التلفزيون العمومي، ومع ذلك يميل درايس إلى الإنتاج أكثر من الإخراج رغم ممارسته المهنتين معا، فالمخرج يتعرض للعديد من العراقيل، أهمها الرقابة والرقابة الذاتية،.
أحمد راشدي:
هدفي تمجيد شخصياتنا واستعمال الخيال في العمل التاريخي ضروري
اعتبر المخرج أحمد راشدي أن التاريخ هو المادة الخام، فحينما نكتب سيناريو فيلم تاريخي، نعتمد في ذلك على أحداث وقعت بالفعل، تجمع بين أفراد العائلة والرفقاء، وحتى الكتب، بعدها يكتب العمل اعتمادا على ضوابط تمليها السينما، إذ يجب تحويل الكتابة إلى صور تقدم للجمهور، وهذا التحويل أو الترجمة - حسب راشدي- خيانة للعمل الأصلي، بحيث أن كل ترجمة في الإبداع تقابلها خيانة للأصل، فمثلا عندما يكتب شخص سيناريو عن كريم بلقاسم مستندا إلى معلومات استقاها من محيطه، لكن سيتعرض عمله هذا إلى خيانة حينما يتحول إلى جنس آخر، يتمثل في الفن السابع. وفي هذا السياق، ذكر المتحدث وجود ١٢ ألف رواية في العالم، تحولت إلى أفلام سينمائية، فقط خمسة من كتابها اقتنعوا بها والبقية، وكم هم كثر، شعروا بالسخط والامتعاض من الثوب الجديد الذي ارتدته أعمالهم، مع ذلك، قال راشدي؛ "السينمائيون مجبرون على التنقل إلى عالم الخيال من خلال منح حياة ووجه وحركة لشخصيات الرواية، وهو ما لا يمكن أن يقوم به الكاتب الذي يمكن أن يصف شخصية معينة في مئات الصفحات، إلا أنه لا يستطيع أن يقدم لها مظهرا خارجيا، وأضاف؛ هذه الفعلة خيانة منا، بحيث يعيد تشكيل الشخصيات وفق ضوابط تلزمها السينما، من بناء درامي وسرد وإيقاع واحترام تسلسل المشاهد وغيرها، ففي السينما مثلا، لا يمكن تصوير مشهد شخص جالس في مكتب، ومنه وضع مشهد آخر مباشرة لنفس الشخص وهو يصعد الجبل، لهذا، يجب احترام هذه القواعد، ومن بينها أيضا تقديم الفيلم في زمن لا يتجاوز الثلاث ساعات. وأوضح راشدي أنه يمكن إضافة شخصيات إلى الفيلم أو جمع شخصيات متشابهة في الرواية في شخصية واحدة، فالكاتب يمكنه أن يضع عشرة آلاف شخصية في روايته، فهو حر، وقدم مثالا عن الكاتب الشهير غارسيا ماركيز في روايته "مائة سنة من العزلة"، حينما اعتمد على شخصيات كثيرة تجبر القارئ على العودة إلى الصفحات التي قرأها حتى يفهم هوية كل شخصية، خاصة أن العديد منها تحمل نفس الاسم وأخرى تتغير أسماؤها، لكن لا يمكن أن يحدث ذلك في السينما، وانتقل صاحب فيلم "الأفيون والعصا" إلى عمله الأخير الذي من المفروض أن يعرض في الشهر الجاري، وهو حول شخصية "كريم بلقاسم"، وقال بأنه قبل الشروع في إنجاز فيلم عن شخصية تاريخية، يجمع أكبر عدد من المعلومات من شهادات العائلة والرفقاء والكتب والأرشيف، وهكذا يتمكن من إعطاء شكل معين للشخصية ويزودها بالجانب البسيكولوجي، كما يمكن إضافة شخصيات خيالية لتسهيل الانتقال من الرواية إلى الفيلم، ولا ضرر في ذلك، باعتباره عمل خيالي، بل أحيانا يتجاوز الخيال والواقع، شرط أن تحترم فيه قواعد الفن السابع، فهناك انحرافات عن المواضيع لا يجب أن نعتمد عليها وإلا ضاع المشاهد في متاهات أحداث الفيلم. وأرجع راشدي اختياره لكريم بلقاسم، إلى كونه شخصية متميزة جدا، تطرق إلى حياته من ١٩٤٥ إلى ١٩٦٢، ولم يتناول حيثيات وفاته ليس بغرض المراقبة الذاتية أو خوفا من أي شيء، بل لأن الفترة التي تطرق إليها من حياة كريم بلقاسم ثرية جدا، داعيا المخرجين إلى إنجاز فيلم عن بقية حياة هذا المناضل الفذ الذي عاش أحداث ما قبل الثورة الجزائرية والحركة الوطنية. صعد إلى الجبل سنة ١٩٤٧، (سبع سنوات قبل جميع المجاهدين)، وكان ضمن مجموعة عسكرية قاتلت العدو، وهو من مؤسسي جبهة التحرير الوطني والرجال الذين خططوا لثورة أول نوفمبر، وتحديدا في تاريخ اندلاع الثورة، فكان من بين الذين قدموا لغة جديدة للثورة تتعلق برفع السلاح في وجه العدو تطبيقا لمقولة "من دخل بالقوة لن يخرج إلا بالقوة"، كما كان قائدا كبيرا للولاية الثالثة التاريخية، وكان بلقاسم أيضا عقيدا قبل الجميع، ومن بين منظمي مؤتمر الصومام الذي جرت أشغاله في منطقته وتحت مسؤوليته. وكان عضو لجنة التنسيق والتنفيذ، وهي أول مؤسسة تسير الثورة، وعضو المجلس الوطني للثورة الجزائرية. تقلد منصب وزير أكثر من مرة وكان نائب رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة، ورئيس لجنة المفاوضة لاتفاقيات إيفيان، لهذا فهو شخصية تملك مسارا ثريا جدا.
وأكد راشدي على الانتهاء من إنجاز فيلم عن شخصية تاريخية أخرى، وهي "العقيد لطفي"، بعد أن قدم فيلما عن "مصطفى بن بولعيد" بغية التعريف بهذه الشخصيات الفذة التي لم يكتب عنها التاريخ الشيء الكثير، وحول موضوع كتابة التاريخ، اعتبره بأنه يكتب من المؤرخين فعلا، لكن في أغلب الأحيان يمليه المنتصرون، كما يسلط الضوء على الوقائع أكثر بكثير من الفاعلين، فمثلا التاريخ يهتم بالأحداث التي قام بها نابليون أكثر بكثير من هذه الشخصية التي تتحول إلى عنصر ثانوي، في نظر المؤرخين الذين يصفون الحدث أكثر من فاعله، لهذا أكد المتحدث أنه لم يكتب كثيرا عن تاريخ الجزائر، وما كتبه كان عبارة عن شهادات وسير ذاتية، فمثلا وجد كتابا واحدا عن كريم بلقاسم، فهل يعقل ذلك؟ وقال؛ هل من المنطقي ألا تجذب شخصية هامة أقلام المؤرخين؟ كيف لجامعات أمريكية أن تهتم بجميلة بوحيرد وتنتج أكثر من ١٢٠ مذكرة دكتوراه، وفي نفس الوقت نتجاهل هذه الشخصية في الجزائر، نعم، كم عدد المذكرات التي تهتم بهذه المجاهدة في بلدنا؟ موضحا أن التاريخ ذاتي وإذا أردنا البحث عن الموضوعية، سنجدها في علم الآثار، وأشار إلى إسرائيل التي يؤكد علماء الأثار عدم وجودها، بينما يتحدث المؤرخون بلغة أخرى، من نصدق إذن؟ هل من أحد يملك البرهان الذي لا غبار عليه أم ذلك الذي يقترن بسياسة ما أو ذاك الذي يساند قضية ما؟» في الأخير، أكد المتحدث أن عملية جمع المعلومات حول فيلم كريم بلقاسم لم تكن صعبة بالمرة، لأنه شخصية معاصرة والعديد ممن رافقوه ما يزالون على قيد الحياة، مثل زوجته وأبنائه وبعض رفقائه، حتى ولو وجدت معلومات متناقضة، فيجب التعامل معها وفق المبدأ أو الهدف الذي سطره منذ بداية الفيلم، ألا وهو تمجيد هذه الشخصيات الثورية، فكريم بلقاسم، مثلا، قام وهو في سن ٢٥ عاما بإنجازات باهرة في انتظار إنجاز ٢٩ مشروعا قادما.
بشير درايس:
اختياري لـ"بن مهيدي" عرفان بدور المثقفين في الثورة
أوضح المنتج بشير درايس أنه بصدد القيام بآخر التحضيرات لفيلم "العربي بن مهيدي" قبل بداية التصوير، في الأيام المقبلة، الذي سيكون في كل من الجزائر العاصمة، بجاية، وهران، بسكرة وتونس وسيستغرق ستة أشهر، مضيفا أن جمع المعلومات لإنتاج فيلم عن هذه الشخصية الفذة كان صعبا جدا، حيث أنه علاوة على استغراقه ثلاث سنوات كاملة، فإنه تطلب تكوين لجان اتصلت بكل شخصية عرفت بن مهيدي، سواء من قريب أو بعيد، وتصويرها، بالتالي الاعتماد على هذه الشهادات باعتبار أنه لا يوجد أرشيف في الجزائر عن شخصياتنا الثورية، أو لنقل يوجد النزر منها، وعن بن مهيدي كتب الهاشمي ترودي، صديق طفولته، كتابا عنه، إلى جانب خالفة معمري، وقال؛ توجهنا وبصعوبة كبيرة إلى أرشيف فرنسا للمزيد من المعلومات، للأسف، لم يكتب المؤرخون الكثير عن هذه الشخصيات، وهو ما سبب لنا صعوبات كبيرة، وفي هذا السياق، أوضح درايس أن شقيقة بن مهيدي قدمت بعض المعلومات المتعلقة بالشهيد، إضافة إلى ما يقارب عشرين شخصا قاموا بنفس المهمة، حيث انتقل فريق عمل الفيلم إلى القرية التي تسكن بها عائلته، لتكون النتيجة؛ سيناريو من كتابة مراد بوربون وعبد الكريم بهلول، مشيرا إلى عدم إضافة الجانب الخيالي الذي نجده عادة في الأعمال السينمائية، اللهم إلا القليل جدا والضروري فعلا، لأن حياة بن مهيدي ثرية فعلا، لهذا أكد درايس الوفاء لقصة حياة العربي بن مهيدي، هذه الشخصية التي صنعت رفقة شخصيات أخرى، مثل بن خدة وبوضياف وبلوزداد وعبان الاستقلال الذي تحقق سياسيا وخطط له من طرف مثقفين، لذا -يضيف- أردت من خلال هذا الفيلم أن أنوه بعمل مهندسي الثورة الجزائريين والتعريف بهم داخل وخارج الوطن. وفي إطار آخر، أكد المنتج أنه لم تكن لديه مشاكل في التمويل، بل أصبحت الدولة الجزائرية تقدم أموالا كثيرة لمنتجي الأفلام، عكس ما كان يحدث في الماضي لكن النتيجة غير مرضية، فنوعية أكثر الأفلام التي أنتجت مؤخرا، غير جيدة بالمرة، موضحا أن فيلم بن مهيدي تم الاعتماد فيه على التمويل المحلي العمومي والخاص، حيث منحت له رخصة الإنتاج، شرط عدم الاستفادة من التمويل الخارجي، وهو ما تم فعلا رغم ولوجه عالم الإنتاج منذ ٢٥ سنة، فإن فيلم بن مهيدي الذي سيخرجه شاد شنوقة، هو الأول لدرايس في النوع الثوري، رغم إنجازه لفيلم مع بهلول بعنوان "رحلة إلى الجزائر العاصمة" الذي تطرق فيه للثورة الجزائرية، كما لديه مشاريع في المستقبل مع الكاتب ياسمينة خضرا، لكن قبل كل شيء، تركيزه منصب حاليا على فيلم "بن مهيدي" الذي يريده فيلما دوليا يصدر إلى الخارج ويشارك به في المهرجانات الدولية، وقال؛ فيلمنا هذا ليس فيلما تجاريا بل هو مخصص للذاكرة، نريد أن يشاهده الناس في جميع الأماكن ولو مجانا، فتقريبا بعد فيلم "معركة الجزائر" لم نشاهد فيلما ثوريا عن الجزائر معروضا في المهرجانات، بسبب مشكلة القلة أو عدم عرض الأفلام الجزائرية على التلفزيون الجزائري، وقال عنها درايس بأنها قضية شائكة لا نجد لها تفسيراو فالتلفزيون الجزائري، منذ رحيل مديرها الأسبق حمراوي حبيب شوقي، لا يمول إنتاج الأفلام الجزائرية ولا يعرضها، وطرحت هذه المشكلة على وزيرة الثقافة السيدة لعبيدي نادية، كما تطرق إلى قلة القاعات السينمائية، فالفيلم الجزائري لا يعرض في القاعات ولا حتى على شاشة التلفزيون، فكيف يتعرف الجمهور الجزائري على الإنتاج السينمائي المحلي في هذه الظروف؟ وفي هذا السياق، أنتج درايس حوالي ١٤ فيلما لم يشاهدها الجمهور الجزائري، بينما عرضت في الخارج في المهرجانات والقنوات الخاصة، كما أن مهمة المنتج السينمائي في الجزائر ليست سهلة أبدا من حيث مواجهته للكثير من المشاكل المتعلقة بالتحويل وصنع الفيلم، ومنه تسويقه، كما أن المنتج الحر لا تعرض أفلامه في التلفزيون العمومي، ومع ذلك يميل درايس إلى الإنتاج أكثر من الإخراج رغم ممارسته المهنتين معا، فالمخرج يتعرض للعديد من العراقيل، أهمها الرقابة والرقابة الذاتية،.