أئمة يتحدثون عن سبل الاحتفال بمولد خير البرية

رهان على مؤسسات التوجيه.. والأسرة أصل التربية على أخلاق النبيّ

رهان على مؤسسات التوجيه.. والأسرة  أصل التربية على أخلاق النبيّ
فاروق كربيش- جلول حجيمي- الإمام غول
  • القراءات: 4791
 رشيدة بلال رشيدة بلال

يعود الاحتفال بمولد خير الأنام نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويعود معه الحديث ككل سنة، عن موضوع الظاهرة الاحتفالية، التي اتخذت منذ سنوات، أشكالا فوضوية، تمثلت في المفرقعات والفوضى والعنف، وارتفاعا في حصيلة ضحايا الألعاب النارية، وأهملت  الجانب الروحي والعقائدي، الذي يُفترض أن يكون جوهر إحياء مولد خير البرية، حسبما يؤكد عليه عدد من الأئمة، تحدثت إليهم "المساء" حول إشكالية تصحيح الطريقة الاحتفالية بمولد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فكانت هذه الآراء.

عبّر الإمام جمال غول، رئيس المجلس الوطني المستقل للائمة وموظفي الشؤون الدينية، عن أسفه لما تم توارثه من طرق احتفال خاطئة تفشت بين أفراد المجتمع، والتي تُعتبر، من وجهة نظر الدين، محرمة لاقترانها بالتبذير؛ من خلال شراء وحرق المفرقعات، وكذا ترويع الناس، وتهويل الأسر، فضلا عن الأذية وعدد الضحايا الذين يصابون بالحرق، وبتر بعض الأعضاء؛ الأمر الذي يجعل المستشفيات في حالة من التأهب الدائم لمواجهة ما ينتج عن مثل هذه الاحتفالات من حوادث. وحسب الإمام، فإن طريقة الاحتفال التي اعتمدها المجتمع في السنوات الأخيرة، لا تمتّ بأي صلة لديننا الحنيف، مشيرا بقوله: "رغم ذلك نلمس بعض التراجع بالنظر إلى المجهودات التي يبذلها الأئمة في مجال التوعية على مستوى المساجد في الدروس وخطب الجمعة؛ لحثهم على وجوب التخلي عن هذا النوع من الاحتفالات بالامتناع عن إنفاق المال في ما يضر الغير".

وعلى صعيد آخر، أكد الإمام جمال غول أن "القضاء على المظهر الاحتفالي بالطريقة الخاطئة الذي ترسخ في الأذهان، يتطلب إلى جانب جهود الأئمة في رفع الوعي الديني، تفعيل الردع، الذي ينبغي أن تباشره السلطات؛ من خلال حظر دخول مثل هذه السلع نهائيا؛ لما تسببه من أذى"، مشيرا إلى أن "الطريقة الصحيحة والنافعة للاحتفال تكون من خلال إقامة الندوات لتعليم عامة الناس تعاليم ديننا وما دعانا إليه نبينا، واستذكار سيرته صلى الله عليه وسلم، وبتنظيم المسابقات الفكرية والعلمية والدينية والتاريخية والثقافية على مستوى المدارس في مثل هذه المناسبات الدينية؛ لربط النشء، دائما، بدينهم". ويردف: "على مستوى الأسر، الاحتفال مشروع من خلال الاجتماع بأفراد الأسرة، وإقامة وليمة للعشاء بدون المفاخرة أو المباهاة بعيدا عن المفرقعات، ومحاولة حث الأبناء على الاطلاع على السيرة المحمدية".

نسعى لتهذيب الظاهرة الاحتفالية

أوضح الإمام جلول الحجيمي، الأمين العام للتنسيقية الوطنية للائمة وموظفي الشؤون الدينية، أن النقاش يدور، اليوم، حول موعد الاحتفال بمولد خير البرية، ليس في جوازه من عدمه، بعدما أقر الكثير من العلماء إجازته، وأكدوا على ضرورة إحياء المناسبة، ليتم ترسيخها لدى النشء. ويبقى، حسبه، "الإشكال المطروح والذي يتطلب العمل عليه، كيفية الاحتفال، التي لاتزال بحاجة إلى تقويم  وتهذيب؛ من خلال تغليب نصرة النبي عليه الصلاة والسلام، وذكره والاقتداء بشمائله. أما الاحتفال الذي يتسبب في إزعاج الناس وإدخالهم إلى المستشفيات فهو مرفوض"، وبالتالي يقول: "المجتمع مطالَب بتهذيب احتفالاته بالمولد النبوي، وهو العمل الذي يقوم به الأئمة على مستوى المؤسسات المسجدية"؛ حيث يتم تذكير المصلين بصورة دورية، بأهمية الارتقاء بالاحتفال، وإعطاء صورة جيدة عن ديننا لغيرنا من الشعوب، خاصة أن الأمة الإسلامية مستهدَفة في دينها.

نراهن على المؤسسات التوجيهية لتصحيح المسار الاحتفالي

يشير الإمام الأستاذ فاروق كربيش، إلى أن "الاحتفال بالمولد النبوي أخذ شقين؛ شقا سلبيا وآخر إيجابيا، غير أن المجتمع في السنوات الأخيرة، استثمر في الجانب السلبي وغلّبه على الإيجابي، فضيعنا الغاية وجوهر الاحتفال، والمتمثلة في الاعتزاز بالانتماء إلى سنته صلى الله عليه وسلم، والفرح به، وتثمينه من خلال التعرف على سيرته والاقتداء به". وحسبه، فإن "الظاهرة الاحتفالية تسودها الفوضى. وحتى نصححها يتعين علينا المراهنة على المؤسسات التوجيهية في المجتمع، ممثلة في المدرسة والمسجد والأسرة والمؤسسات الإعلامية؛ من خلال اختيار قيمة أو أكثر؛ كقيمة الصدق، أو نبذ العنف، ليتم العمل عليها والترويج لها، والدعوة إليها خلال الاحتفال بالمولد النبوي".

وعلى صعيد آخر، أشار محدثنا إلى أن "الاحتفال بالمفرقعات كان موجودا منذ أكثر من 50 سنة في مجتمعنا، وكان غير مرفوض، ولكنه شيئا فشيئا تغلّب على المضمون، فأصبح الأمر مبالغا فيه؛ ما يستدعي تصحيح هذا الاحتفال، ولا يكون ذلك بالمنع من شراء المفرقعات، وإنما بالدعوة إلى التقليل منها بصورة تدريجية إلى أن يتعود المجتمع على التخلي عنها. وفي المقابل يجري العمل على تثمين الظاهرة الاحتفالية بالتأكيد على الغاية منها، وهي إحياء سيرة النبي، عليه الصلاة والسلام، والتحلي بصفاته والاقتداء به"، لافتا إلى أن الحاجة  في الوقت الراهن، ملحّة على إقرار مشروع وطني لمحاربة مثل هذه الظواهر التي تؤذي المجتمع.

تغليب الوجه الإيجابي باعتماد النهي على المنكر والردع

يقول الإمام أكرم شاقور بأن "المولد النبوي الشريف من أهم المناسبات الدينية عند المسلمين، وذلك لارتباطه بمولد أشرف خلق الله صلوات ربي وسلامه عليه. بعثه الله، فهدى به من الضلالة، وأوقد به من الجهالة، وكثر به بعد القلة؛ فكان النعمة العظمى، والمنحة الكبرى التي تَفضل الله بها على أهل الأرض جميعاً". وحسبه: "لكل شعب من الشعوب الإسلامية طريقة خاصة يعبّر بها عن فرحته بميلاد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم". وينقسم المولد النبي الشريف من حيث طريقة التعبير عن الاحتفال به، إلى شقين: "الشق الأول هو الفرح بمولده، والشق الثاني كيف نفرح بمولده صلوات ربي وسلامه عليه؟".

ويؤكد الإمام في هذا الشأن: "العلماء في طريقة الاحتفال بليلة المولد النبوي الشريف، عندهم قاعدة، وهي: كل ما يجوز فعله طيلة أيام وليالي السنة يجوز فعله ليلة المولد، وبالتالي القول بجواز الاحتفال به، والذي لم يعد يطرح أي إشكال". ويشرح: "فالمرأة في بيتها في ليلة المولد النبوي، يجوز لها أن تطبخ طعاما تقليديا؛ فرحا بميلاده صلوات ربي وسلامه عليه. والإمام في المسجد يكثر من الدروس والخطب والمحاضرات والندوات العلمية، التي يتعلم الناس من خلالها سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وحياته، وصغره، وتجارته، ودعوته، وهجرته، وصبره، ومواقفه، وحسن أخلاقه، وأبرز المحطات في حياته. ولأفراد الجمعيات الخيرية أو فوج الكشافة، شراء هدايا، وزيارة المرضى في المستشفيات، وإهداؤها إياهم؛ فكل إنسان يعبّر عن فرحته بميلاد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، على حسب وضعيته".

ويؤكد: "وفي المقابل نسعى إلى محاربة الظواهر السلبية  في الاحتفال، التي تسيء إلى نبينا المصطفى؛ بالنهي عن الغناء والمعازف والرقص والاختلاط، واعتماد الفوضى في الاحتفال بالألعاب النارية التي تسيء إلى الغير وتغضب الله سبحانه وتعالى"، مشيرا إلى أن ذلك لا يتحقق إلا بتغليب الجانب الإيجابي من الاحتفال على السلبي؛ باعتماد قاعدة النهي على المنكر والردع.

 رشيدة بلال

 


 

الإمام محمد لعزونيتربية النشء على أخلاق النبيّ تقضي على الظاهرة

شدد محمد لعزولي، إمام مسجد، على أن تربية الأطفال على أخلاق النبي محمد عليه الصلاة والسلام، كفيلة بالقضاء على الظاهرة من أساسها، مشيرا إلى أن الاحتفال بمولد أحسن الخلق بالمفرقعات والصخب، لا محل له من العقيدة الإسلامية، وهو أمر مشين، لا سيما أن تلك الاحتفالات تلخص أبغض صور التبذير والإسراف، خصوصا في هذه الآونة، التي نشهد فيها أزمة اقتصادية حادة. واقترح الإمام أن يتم توجيه تلك الأموال التي يتم اقتناء بها مفرقعات خلال هذه المناسبة الشريفة، للصدقة، ونحو أعمال الخير، ومساعدة من هم في حاجة أكثر إليها، قائلا إنه ليس هناك أفضل في الاحتفال بمولد رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام، من فعل الخير، ومشاركته مع الغير بدل الاحتفال بالإسراف، إلى جانب ما تخلقه تلك المفرقعات من مشاكل صحية وصخب مقلق يثير حفيظة الجيران، لا سيما خلال الليل.

ودعا الإمام إلى تربية الأطفال على أخلاق النبي عليه الصلاة السلام، وأحسن فرصة لذلك استغلال المولد النبوي الشريف لإعادة سرد السيرة النبوية، حتى وإن كان يجهل الأولياء تفاصيلها، يضيف الامام، فيمكن الاستعانة بالشاشات الخاصة على التلفزيون؛ بحثهم على متابعة البرامج الدينية التثقيفية، من أجل معرفة أخلاق النبي عليه السلام، وحمل البعض منها، وخصوصا السير وفقها.

نور الهدى. ب