"المساء" تنقل معاناة سكان أولاد عسال ببلدية رأس الماء الأبيض (تبسة)

منطقة فلاحية عزلتها الطبيعة وتجاهل وجودها المنتخبون

منطقة فلاحية عزلتها الطبيعة وتجاهل وجودها المنتخبون
  • 1071
 نجية بلغيث نجية بلغيث

تعد منطقة أولاد عسال، الواقعة ببلدية رأس الماء الأبيض بتبسة، عنوانا للبؤس والتخلف، في جميع مناحي الحياة، لا ماء ولا كهرباء، أما الغاز فلا أمل للسكان في الحصول عليه، إذ أن الظفر بقارورة غاز بوتان يعد في حد ذاته إنجازا عظيما، فما بالك بالأمور الأخرى، مما دفع أهل المنطقة إلى التفكير في الهجرة نحو المدينة، التي قد يتوفر لهم فيها ما عجز المسؤولون عن توصيله، من خلال مشاريع لا طالما طالبوا بها. في هذا المقام، حاولت "المساء" نقل معاناة سكان أولاد عسال، الذين يأملون في إخراجهم من دائرة التهميش التنموي.

يعاني قاطنو منطقة أولاد عسال ببلدية رأس الماء الأبيض بتبسة، باعتبارها مصنفة منطقة ظل بامتياز، معاناة حقيقية مع صعوبة ظروف الحياة، في ظل انعدام أدنى ضروريات الحياة الكريمة، مقابل سعي السلطات العمومية جاهدة، لتدارك النقائص العديدة التي تعاني منها العائلات القاطنة على مستواها، لاسيما ما تعلق منها بتوفير مياه الشرب، والربط بالكهرباء الريفية، وتخصيص برامج تنموية تسمح بتثبيت المواطنين في أراضيهم وخدمتها، حيث يطالب السكان في هذا الصدد، بإخراجهم من دائرة التهميش والنسيان. هي أوضاع أقل ما يمكن القول عنها بأنها، جعلت أهل المنطقة يعيشون في تعاسة لا تطاق، نغصت حياتهم اليومية وخلفت في نفوسهم قناعة تدفع نحو هجرة الريف والرحيل إلى المدينة، لتوفرها على متطلبات الحياة الكريمة.

عزلة كبيرة ومعاناة قاتلة

من بين هذه المناطق، التي أصبحت مظاهر المعاناة بارزة على وجوه سكان المنطقة النائية؛ أولاد عسال الكائنة بدوار الدكان في بلدية الماء الأبيض، الواقعة على بعد 34 كلم شرق ولاية تبسة، حيث يعيشون وضعية جد مزرية، إذ تقبع عشرات العائلات تحت حصار العزلة وانعدام الكهرباء الريفية وأزمة العطش الحادة، يضاف إلى ذلك، عدم صلاحية المسالك الريفية، بما في ذلك المسلك المؤدي إلى المقبرة. أكد السكان أن العديد من المرضى ماتوا في صمت، موضحين بقولهم: "في أغلب الأحيان، نضطر إلى الاحتفاظ بجثث الموتى لأكثر من يومين لإتمام عملية الدفن"، مجددين في هذا الصدد، مطلبهم الذي رفعوه عدة مرات بشأن فك العزلة عن المنطقة، وهو الأمر الذي قالوا عنه بأنه "لم يتحقق إلى حد الآن".

رغم أن البلدية جسدت مشاريع مماثلة في مناطق ريفية أقل عزلة من منطقة أولاد عسال والمشاتي المحيطة بها، وفتحت المسالك في مناطق أخرى، إلا أن الأمر لم يغير شيئا، وهو ما جعل السكان يتأسفون ويتساءلون عن التجاهل التام من قبل المجالس البلدية، التي تحولت اختصاصاتها إلى تقديم وعود واهية لا غير، حيث يقول أحد الشيوخ القاطنين بالمنطقة: "لقد مللنا من الانتظار لسنوات طويلة، ونحن نعيش في ظروف مأساوية، في وقت أمر رئيس الجمهورية بفتح تحقيق لرفع الغبن عن مناطق الظل، لكن لا حياة لمن تنادي...".

الكهرباء الريفية أكثر من ضرورة

يطرح سكان منطقة أولاد عسال، تساؤلات عديدة تخص منطقتهم، وعلى رأسها انشغال انعدام الكهرباء الريفية، التي حرموا منها، رغم مرور الأعمدة الكهربائية فوق بيوتهم، كما أن العديد من هذه الأعمدة تم تخريبها خلال العشرية السوداء، دون أن تعاد صيانتها من جديد. ورغم أن عملية صيانتها، حسب السكان، غير مكلفة، بالنظر إلى تكلفة المشاريع الأخرى، التي لا تتعدى 24 مليون سنتيم، إلا أن المصالح البلدية لم تكلف نفسها عناء التفكير في صيانتها. علما أن العائلات التي تقطن المنطقة تعاني الفقر والحرمان، ولا تستطيع دفع أي تكاليف مالية على عاتقها، لتدارك الأمر.

قارورات الغاز لمن استطاع إليها سبيلا

تزداد معاناة سكان هذه المنطقة حدة في فصل الشتاء، بالنظر إلى برودة الطقس، حيث تصبح المنطقة في عزلة تامة خلال فترة الثلوج والأمطار الغزيرة، ويضطر السكان في هذه الحالة إلى الاحتطاب، نظرا لصعوبة التزود بقارورات غاز البوتان، التي إن توفرت بعد معاناة شديدة، فإنها تكفي لأيام فقط، إلى جانب ارتفاع أسعارها التي تصل إلى 600 دج للقارورة الواحدة.

انعدام مياه الشرب انشغال آخر يفرض نفسه

لا زال سكان منطقة أولاد عسّال يكابدون مرارة العيش، وهم محرومون من أبسط ضروريات الحياة الكريمة، التي يضاف إليها انشغال توفير مياه الشرب، حيث يضطرون إلى البحث طويلا عن هذه الثروة الطبيعية. علما أن السلطات المحلية وعدتهم بإنجاز مشروع للتموين بالمياه الصالحة للشرب، إلا أن هذا المشروع لم ير النور إلى اليوم، في وقت تنعدم المياه كليا من المجمع المائي، إلا مرة أو مرتين في الشهر. ولتنمية المنطقة، أشار السكان إلى أنه تم تحويل مشروع الخزان المائي الذي كان بإمكانه فك أزمة المياه المنطقة إلى منطقة أولاد حمادي، لكن الوضع ازداد سوء، وبقي السكان محاصرين في بوتقة المعاناة، ولم تتحسن أوضاعهم على الصعيد المعيشي، وفي كل جوانب الحياة اليومية، جراء المشاكل المتعلقة بالمسالك التي تربطها بالبلدية، فيضطر السكان إلى قطع مسافات طويلة وسط مسالك، هي أقرب إلى دروب جبلية لا تصلح حتى لسير الحمير، من أجل الوصول إلى مقر البلدية، بسبب عدم صلاحيتها، حسب تأكيد السكان.

المطالبة بتدخل الوالي لإيجاد حلول عاجلة

أكد سكان هذه المنطقة، أنهم رفعوا انشغالاتهم إلى المسؤول التنفيذي الأول في الولاية، ودعوته إلى زيارة المنطقة، والاطلاع على حجم المعاناة الحقيقية التي يكابدونها منذ سنوات طويلة، في ظل تهميش ولامبالاة السلطات البلدية، التي يقولون إنها أضحت مختصة في تقديم الوعود، لا غير. كما شددوا بالمناسبة، على ضرورة تدخل الوالي وزيارة قريتهم، للوقوف على حجم النقائص التي تعاني منها، والعمل على تداركها في أقرب الآجال الممكنة.

أمام هذا الوضع، طالب السكان بتسوية قضية الكهرباء لسكناتهم، وتخصيص برامج تنموية لمنطقتهم المعزولة ذات الطابع الفلاحي، التي حرمت من أبسطها. رغم ذلك، مازالت العديد من العائلات التي تقطن المنطقة، متمسكة بأراضيها وتمتهن الفلاحة والرعي، ولم تترك مساكنها التي استفادت منها في إطار البناء الريفي منذ عدة سنوات، لكن في المقابل، لم تستفد من برامج الكهرباء، رغم الوعود والتطمينات التي تلقوها من قبل المسؤولين المحليين. كما يأمل القاطنون في فتح مسالك برية، تسهل مرور السيارات والجرارات التي تجد صعوبة لدخول المنطقة، خاصة خلال فصل الشتاء وفيضان الأودية، كما استنكر بعض السكان بشدة، قضية الحصول على سكنات ريفية، إذ يقولون إنهم أودعوا ملفات منذ سنة 2013، ولازالوا ينتظرون الحصول على نصيبهم بفارغ الصبر.