مختصون يتحدثون عن مجانين السياقة ويكشفون لـ«لمساء»:
10 أسباب خفية «لرعب الطرق»
- 1345
تتواصل مجازر الطرقات يوميا، رغم كل حملات التحسيس للمصالح المعنية ولمختلف فعاليات المجتمع بما في ذلك الإعلام. مجانين السياقة لم يتوقفوا عن قتل الناس بالمئات وتحويل الآلاف سنويا إلى معوقين ويتامى وثكالى وأرامل، موازاة للخسائر المادية الكبيرة التي تتكبدها الجزائر والتي جعلتها ضمن الأربع بلدان الأكثر إرهابا للطرق من منطلق عدد حوادث المرور المسجلة يوميا والحصيلة المسجلة سنويا، رغم أن مصالح الأمن الوطني تتحدث عن انخفاض هذه الحوادث خلال عام 2016 بنسبة 16% مقارنة مع العام الماضي. في 2015 خلفت حوادث المرور 809 ضحية في 16245 حادثا وأيضا 19337 جريحا. ورغم تراجع نسبة الحوادث، إلا أن رعب الطرقات مازال يسكن العائلات ويسيل دموع المسافرين الذين في عديد الحالات يدفعون أخطاء وجنون سواق متهورين. لكن الشائع في القول والأحكام أن الناس يرجعون ويحصرون تقريبا أسباب الحوادث في عوامل تكاد تتكرر على الدوام: السياقة في حالة سكر، حالة الطريق، وحالة السيارة نفسها آو السياقة بدون رخصة سياقة أصلا. «المساء» تحاول في الملف الذي تنشره اليوم الكشف عن أسباب أخرى ظلت خفية عن الأنظار، من خلال استطلاع مختصين، الذين حددوا 10 أسباب أخرى لا يتم التطرق إليها في الغالب رغم أنها مكلفة جدا وأدت إلى كوارث ومجازر تكاد تمر بعيدا عن الأضواء والتحاليل.
إذن اعتمدت «المساء» في إنجاز هذا الملف على أهل الاختصاص لكشف الأوجه الخفية لإرهاب الطرق والتي يترجمها غياب دور الأسرة وتخلي بعض الآباء عن مسوؤلياتهم وهيمنة المادة، تبني سلوكات مسببة للكوارث وكذا العقد النفسية التي يدفع الآخرون ثمنها، خاصة المرأة التي تعتبر حجر عثرة في طريق البعض من الغيورين. كما نبه المختصون إلى أن دمج التربية المرورية في جميع الأطوار التعليمية ضرورة لعلاج إرهاب الطرق، مع تكوين وتدريب المدربين والمتدربين والاعتماد على الأخصائي الاجتماعي لعلاج المشاكل الاجتماعية من الجذور، وتقديم الحلول بمعية المختصين في مجالات أخرى ذات صلة، إلى جانب وضع شبكة معلومات وبيانات لكل القطاعات المهتمة بالأمر، وإدراك مفهوم المشاركة في المحيط وتفعيل روح المسؤولية لدى الجميع.
المدير العام للمركز الوطني للأمن والوقاية عبر الطرق يؤكد: 2500 حادث مرور في 2016 سببه النوم أثناء السياقة
كشف المدير العام للمركز الوطني للأمن والوقاية عبر الطرق، أحمد نايت حسين، خلال تدخله في فعاليات أشغال المؤتمر الثالث لأمراض النوم مؤخرا، عن أن ثلث حوادث المرور التي تعرفها الجزائر سببها النوم أثناء السياقة، مشيرا إلى أن 10 بالمائة من حوادث المرور المسجلة خلال العشرة أشهر الأولى من سنة 2016، كان سببها النوم أثناء السياقة، وهو ما يعادل 2500 حادث مرور، داعيا إلى تصنيف أمراض النوم في نفس الخانة مع المخدرات أو الكحول، بالنظر إلى خطورتها. مضيفا أن هذه الإحصائيات تظل غير دقيقة «في غياب دراسة مرجعية حول هذه الظاهرة»، بحيث تبقى الأرقام المتوصل إليها دون الواقع الفعلي بكثير. وبغرض الوقوف عند أهم مسببات هذه الظاهرة التي تتسبب في إزهاق الكثير من الأرواح في لحظات غفوة مميتة، أبرم المركز الوطني للأمن والوقاية عبر الطرق اتفاقية تعاون مع الجمعية الجزائرية لأمراض النوم، بهدف الوصول إلى دراسة وفهم كل ما يتعلق بهذا الجانب.
كما تطرق المشاركون في هذا المؤتمر إلى أهم تبعات الحرمان من النوم، على غرار نقص التركيز وتراجع القدرة على التعلم والسمنة وتقلبات المزاج التي قد تصل إلى حد الانهيار العصبي. ونبه المختصون إلى أن الإنسان فقد على مدار 103 سنوات الأخيرة 77 دقيقة من النوم، بمعدل 75ر0 دقيقة سنويا، نتيجة ظروف العمل واستخدام التكنولوجيات الحديثة والأنترنت وغيرها.
شباب يؤكدون: نعشق السرعة، الموسيقى الصاخبة، حركة السمكة والمناورة
لا يختلف اثنان على أن الفئة المتضررة من حوادث المرور هي الشباب، ولمعرفة وجهة نظرهم في الموضوع ومدى إدراكهم للخطر المحدق بهم وأمور أخرى، كان لـ«المساء» حديث مع بعض السائقين، في استطلاع للرأي حول حالات القيادة وكيفية التعامل مع المركبة في ظل وجود الموسيقى الصاخبة والصحبة، والحالات الانفعالية التي يكونون فيها في حالات مختلفة.
أكد الكثير من مستجوبينا الذين رحبوا بالحديث إلينا ورفضوا تصويرهم، أنهم لا يتوانوا عن سياقة السيارة في حالة غضب أو سكر وحتى نشوة، وأنهم يجدون متعة خاصة في الضغط على الدواسة ومشاهدة مؤشر السرعة يصعد ليصل إلى الخط الأحمر، كما لو أن الوصول إليه يعكس مدى شجاعة السائق الشاب وعدم خوفه، وأيضا للمباهاة أمام أترابه.
الموسيقى الصاخبة وحركة السمكة
يقول سفيان (24 سنة)؛ قبل أن أملك سيارة كنت أقود دراجة نارية من النوع الممتاز، أكثر ما كنت أحبه وأنا على متنها هو اختراق الزمان، بالنسبة لي السرعة كانت وجها من أوجه التعبير عن عشقي للمغامرة وإظهار قدراتي في السيطرة عليها أمام أصدقائي الشغوفين بها أيضا، الآن وبعد وفاة والدتي رحمها الله لم يعد بوسعي امتطائها، لأنني وعدتها بذلك بعدما نجوت من حادث مميت. مع السيارة الأمر مختلف فلا يوجد بها نفس المتعة ولكن أسمح لنفسي أحيانا باختبار مهاراتي في السياقة، خاصة في المواقف الصعبة، كمحاولة معرفة إن كنت قادرا على تحويل السيارة من سرعة خمسة إلى واحد في أعشار معدودة، كما أحب ممارسة حركة السمكة من وقت لآخر».
أما عز الدين (23 سنة)، فيؤكد أنه يرفض السرعة رفضا باتا لكنه يتنازل عن هذا المبدأ بمجرد أن يرفع صوت المذياع لسماع الموسيقى التي تختلف بين الراب، الراي والريغي، يقول: «رغم أنني أرفض السرعة لإدراكي بمخاطرها، إلا أنني أحيانا أفقد السيطرة على نفسي والمركبة عندما أستمع إلى بعض أنواع الموسيقى، خاصة إذا كان الصوت جد مرتفع، فلاشعوريا تجدني أزيد في السرعة خاصة في الطرق السريعة والمسافات البعيدة، حينها أسرع ولا أعرف لماذا... كما لو أنني أركض لكن لا أدري إلى أين أود الوصول؟ فحتى على المستوى العضوي أشعر أن الدماء تسري بسرعة في جسدي مع ارتفاع في درجة حرارتي».
نعم أسوق في حالة غضب وأناور
أكد لنا سمير (30 سنة)، أنه بدأ القيادة في سن مبكرة جدا، حيث تربى في وسط عائلي كثير السيارات، مما سمح له باكتشاف عالمها في سن مبكر، ويرى أنه يعرفها جيدا ويعرف المشاكل التقنية للسيارة بمجرد تغير الصوت وأنه يقودها في كل الحالات حتى لما يكون في حالة غضب، يقول: «لطالما سقت السيارة في حالة غضب قصوى، رغم أن الوالد يحذرني من الفعل وعواقبه، لكنني متحكم في السيارة، لهذا لا أجد حرجا في سياقتها وأنا جد منفعل».
قال منير (27 سنة)، بأن أكثر ما يشعرني بالرجولة أثناء السياقة هي المناورة في الأوقات الحرجة، بحيث أقوم من خلالها باختبار مهاراتي في السياقة ومقدرتي على تجاوز الخطر والعقبات، سألناه؛ ألا تخشى المفاجآت بفعل سوء التقدير؟ فرد بكل ثقة: «راني عارف واش أندير».
تمكن من القيادة وزيادة في الاحترام
يرى فريق آخر من الشباب ومن الجنسين، بأن التمكن من القيادة وإظهار المهارات للغير يزيد في تقدير الذات واحترام الآخر، لكن أحيانا تكون النتائج وخيمة عند فقدان السيطرة على المركبة عند تجاوز السرعة المطلوبة والدخول في الخط الأحمر. تقول اسمهان «أذكر أنني حاولت في إحدى المرات إظهار مهاراتي في السياقة أمام صديقاتي، وكنت يومها في الطريق السريع وضاعفت السرعة لأجد نفسي محشورة بين شاحنة من الوزن الثقيل وسيارة من نوع «هاربين»، زدت في السرعة لأنني اعتقدت أنه يمكنني النفاذ وبقدرة قادر، خرجت لكن بعدما كاد يطبق علي وأصيبت السيارة بخدوش من الجانبين، وسط هلع ودموع صديقاتي، ومن يومها أقسمت أن لا أسرع أبدا».
الموسيقى الصاخبة.. الوجه الآخر للموت
يؤكد المختصون والخبراء أن للموسيقى الصاخبة كتلك المنبعثة من بعض السيارات التي تتحول إلى «ديسكو» مفتوح في الشوارع، تأثير رهيب على مستمعيها، فهي تخترق الجسم وتتغلغل مع كل خلية، إذ يقول بروفيسور علم النفس الإكلينيكي، بارت بيلنجز «إن التعرض على المدى الطويل وبإفراط للموسيقى الصاخبة «خاصة منخفضة الترددات ومرتفعة ليس فقط مضرا بالصحة، ولكن لهذه الموسيقى مضاعفات يمكن أن تؤدي إلى الموت».)ا.م/ وكالات(
يفسر المختصون بالقول: «ما يحدث أثناء الاستماع للموسيقى الصاخبة هو أن الإيقاعات غير المنسجمة مع فطرة الإنسان وفيسيولوجيّته، والذّبذبات والترددات العالية الصاخبة تخترق جسمه وتنفذ إلى كل عضو من أعضائه الداخلية، وتتغلغل إلى كل خلية من خلاياه، فيستقبلها الجسم على أنها خطر محدق، فيفرز هرمونات مثل التي يفرزها الجسم قبل دخول أي عراك أو حرب استعداداً للهجوم أو للهروب -مثل الأدرينالين والكورتيزول (هرمون التوتر)- فيرتفع ضغط الدم ودقات القلب والكوليسترول، وكلّها هرمونات جيد أن تفرز عند الحاجة إليها، لكن عند دخول عراك أو حرب، لأنها تدفع بالدم إلى أطراف القتال أو الهجوم وتزيد من ضخ الدم والأكسجين لدعم الجسم أثناء العراك، وتساعد على تجلط الدم بزيادة كثافته (الكوليسترول) حتى إذا جرح الإنسان أثناء العراك فإنه لا ينزف حتى الموت.
إلا أن الموسيقى الصاخبة التي تنبعث من السيارات مزعجة المارة ومن هم في الطابورات يستقبلها الجسم كصورة من صور الألم، ليزيد من إفراز الهرمونات المسكنة للألم، والتي تعمل عمل المخدر تماماً وما يصاحبها من نشوة ومتعة ولذة، وهكذا تبدأ دائرة الإدمان، وهذا ما أكده الدكتور وليام جلاسير في كتابه (الإدمان الإيجابي)، وهذا يفسّر إدمان المراهقين على الموسيقى الصاخبة والاستماع إليها لساعات طويلة في اليوم. الأضرار التي تسببها الموسيقى الصاخبة للجسم كثيرة وخطرة، وهي فقد السّمع للأبد نظرا لتدمير الشعيرات الصغيرة في الأذن الداخلية (القوقعة)، والمسؤولة عن إرسال الصوت كإشارات كهربائية إلى الدماغ لتحويلها إلى الصوت الذي نعرفه، وهذه الشعيرات متى تلفت فلا سبيل لإصلاحها، كما أن الاستماع إلى الموسيقى الصاخبة قد يؤدي إلى الطنين، وهو رنين وذبذبات يسمعها الشخص بشكل دائم في إحدى الأذنين أو كلتيهما أو في الرأس.
وقد أثبت باحثون من ألمانيا واليابان حدوث أضرار جسيمة على الجهاز العصبي جراء الاستماع لفترات طويلة للموسيقى الصاخبة، وبيّن عالم النفس هينك تايسمن، من جامعة مونسترجي بألمانيا، أضرار الموسيقى الصاخبة على الخلايا العصبية للقشرة السّمعية بالدماغ، لذلك فإن زيادة إفراز هرمون الكورتيزول لفترات طويلة يؤدي إلى أضرار عديدة منها فقدان الذاكرة، فقد بينت الدراسة التي أجريت في ألمانيا أن الذاكرة تضعف بنسبة تتراوح بين 15% إلى 60% في أوساط عشاق الموسيقى الصاخبة. وفي دراسة أخرى على 600 شخص لا يستمعون إلى الموسيقى الصاخبة (من 16 إلى 27 سنة) وجد أن 4% فقط أصيبوا بفقدان في الذاكرة، مقارنة بنظرائهم ممن يدمنون على الموسيقى الصاخبة الذين كانت نسبة فقدانهم للذاكرة 21%.
الموسيقى الصاخبة تؤثر سلباً على قدرة التعلم والتذكر
ويفسر باحث العقل د.روبرت سبولسكي هذه الظاهرة بأنها متوقعة ومدعومة بالبحث، حيث أن هرمونات التوتر مثل الأدرينالين والكورتيزون توجه الدم والسكر إلى العضلات، استعدادا للهجوم أو الهروب، وبذلك تقل نسبة السكر نسبيا في الدماغ، خاصة في منطقة تسمى (Hippocampus)، مما يعني انخفاض نسبة الطاقة في هذا الجزء من الدماغ المسؤول عن إنتاج خلايا ذاكرة جديدة، وهذا يفسر إصابة الإنسان بالنسيان أثناء مواقف الذعر والرعب، لذلك فإن الاستماع المستمر للموسيقى الصاخبة سيؤثر سلباً على قدرة التعلم والتذكر والحفظ والفهم بالنسبة للإنسان، وهو ما يفسر نقص التركيز وانخفاض معدل المنعكسات الشرطية ووقوع الحوادث حين تكون الموسيقى صاخبة. كما يؤدي الاستماع للموسيقى الصاخبة لفترات طويلة بحكم إفراز هرمون الكورتيزول إلى ضعف جهاز المناعة، وقد بين البروفيسور فريدريك هارمز، وهو أحد كبار المختصين أن اللجوء للموسيقى الصاخبة يؤدي إلى عملية تخدير الدماغ والأحاسيس والمشاعر، كما هو في المخدرات إلى حد ما، وأن عدد الضحايا في ازدياد مطرد.