الشيخ أبو كنان الجزائري إمام وخطيب ومدرس:

80 بالمائة من الحالات تقع في أشهر الزواج الأولى

80 بالمائة من الحالات تقع في أشهر الزواج الأولى
  • 2437

يحدثنا الشيخ أبو كنان الجزائري، إمام وخطيب ومدرس بمسجد "بدر الثنية" بولاية غرداية في هذا الحوار، عن الأسباب المباشرة لارتفاع معدلات الطلاق في المجتمع الجزائري، والتي يقول بأنها أخذت منعرجات خطيرة، حسبما تشير إليه الإحصائيات التي تكشف عن تسجيل 60 ألف حالة سنويا، بمعدل 6 حالات في كل ساعة، أي حالة واحدة كل 10 دقائق، الأمر الذي يدعونا إلى دق ناقوس الخطر والتحرك كل من جهته لدرء هذه المفسدة.

ما الأسباب المباشرة لارتفاع معدلات الطلاق اليوم؟

❊❊ أعتقد انطلاقا من عدد من المؤشرات، أن من أهم الأسباب التي أصبحت تقود مباشرة  للطلاق، سوء الاختيار في المقام الأول، رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى حسن اختيار الزوج لزوجته فقال: ((تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)) رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.إلا أن ما يحدث اليوم العكس، حيث نجد أن المقبلين على الزواج في زمننا يغلبون جانب الجمال أو الجاه أو النسب على الدين، وهذا ما حذّر منه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ((لَا تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ لِحُسْنِهِنَّ فَعَسَى حُسْنُهُنَّ أَنْ يُرْدِيَهُنَّ وَلَا تَزَوَّجُوهُنَّ لِأَمْوَالِهِنَّ فَعَسَى أَمْوَالُهُنَّ أَنْ تُطْغِيَهُنَّ وَلَكِنْ تَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى الدِّينِ وَلَأَمَةٌ خَرْمَاءُ سَوْدَاءُ ذَاتُ دِينٍ أَفْضَلُ)) رواه ابن ماجه عَنْ عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما.

بالإضافة إلى جملة من المشاكل المادية والظروف المعيشية المزرية، كعدم القدرة على النفقة ومشكل السكن والبطالة، دون أن ننسى أسبابا أخرى وعوائق ومنغصات تودي إلى عدم قدرة الزوجين على مواصلة الحياة الزوجية، كعدم التوافق الجنسي بين الزوجين وعدم الإنجاب، والخيانة الزوجية التي من أهم أسبابها الأنترنت والفايسبوك والفضائيات التي شتت الأسر، بالإضافة إلى تدخل الأهل والأصدقاء في الشؤون الخاصة للحياة الزوجية.

ألا تعتقدون أن الشباب اليوم لا يقدّرون الحياة الزوجية؟

❊❊ عدم النضج والوعي بمسؤولية الحياة الزوجية وعدم التكيّف والتوافق بين الزوجين، وعدم القدرة والصبر على تحمل أحد الطرفين للآخر، في اعتقادي من أهم أسباب المشاكل والخلافات الزوجية، حيث تشير الإحصائيات إلى أن 80 بالمائة من حالات الطلاق تقع في الأشهر الأولى من الزواج، ويحضرني في هذا المقام ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ النِّسَاءِ خَير؟ قال: التِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ إِليهَا، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَر، وَلا تُخَالِفُهُ فِي نَفسِهَا ولا فِي مَاله بِمَا يكرَه).

الطلاق بعدما كان من أبغض الحلال، أصبح من أيسر الأمور، ما تعليقك؟

❊❊ عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبغض الحلال إلى الله الطلاق ـ رواه أبو داود، وابن ماجه وصححه الحاكم. وروى مسلم عن جابر ـ رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ قَالَ فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ). ومن ثمة يفترض أن الزواج هو ميثاق الله الغليظ، فلا ينبغي للمسلم الاستهزاء والتهاون به، وهو ما نأسف عليه اليوم، حيث أصبح الطلاق في زمننا هذا ألعوبة في أيدي العابثين وسائغا سهلا في أفواه المتهورين، الذين لا يعرفون للحياة الزوجية معنى ولا يقيمون لها وزنا، الذين يظنون أن الطلاق حل للمشاكل الزوجية فيتفوهون به لأتفه الأسباب، والعياذ بالله.

يحضرني في هذا، قصة الرجل الذي جاء إلى عمر بن الخطاب  رضي الله عنه يستشيره في طلاق امرأته، فقال عمر: لا تفعل، فقال ولكني لا أحبها، قال عمر: ويحك أو كل البيوت تبنى على الحب؟ فأين الرعاية وأين التذمم؟

ألا تعتقد بأن إسراع النساء لطلب الخلع رفع من معدلات فك الرابطة الزوجة؟

❊❊ إن الخلع في الجزائر أضحى ظاهرة تقوم على التعسف وتُحطّم الأسر، رغم مشروعيته في الإسلام، حيث عرفت ظاهرة الخلع في الآونة الأخيرة انتشارا واسعا، و يعد مؤشرا خطيرا يفكك تماسك الأسرة ويهددها بالشتات والخراب، ولعلى أهم الأسباب التي تدفع بالمرأة إلى طلب الخلع، عدم قدرة الرجل على النفقة والخيانة الزوجية وغيرها من الأسباب العديدة،  بالإضافة إلى الاستقلالية المادية للمرأة الجزائرية، والتي تعتقد بها أنها أصبحت قادرة على تسيير حياتها الخاصة ورعاية أولادها دون الحاجة إلى رجل، بالتالي عند حدوث أي خلاف أو مشاكل زوجية، نجد المرأة سباقة إلى تهديد الزوج بالخلع طلبا للحرية مقابل مبالغ مادية باهظة.

ما الذي تقترحونه لمعالجة هذه الظاهرة والحد من تسابق المتزوجين طلبا للطلاق؟

❊❊ أمرنا ديننا الحنيف بعدم التسرع والاستعجال بالطَلاق، فإذا شعر الزوج بنفرة زوجته وعدم أخذ حقه الشرعي، فقد أمره الله أن يعالج ذلك بالحكمة وبالتي هي أحسن، باتخاذ الخطوات التي بيّنها الله عز وجل بقوله: {وَاللاَتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فإنَّ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سبيلاً إن اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرا} (34) سورة النساء. فإذا استمر الشقاق فعليه أن يغلب الصلح، لأن الصلح خير، قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حكمًا مِّنْ أهله وَحكمًا مِّنْ أَهْلِهَا أن يُرِيدَا إصلاحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا} (35) سورة النساء.

بالتالي على الزوجين أن يصبر كل منهما على الآخر، وأن يغض الطرف عما لا يرضيه من الآخر، وأن يؤمن بأن الكمال لله وأن النقص من صفات البشر، فكل بنى آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. فالحياة الزوجية قائمة على أساس الألفة والمحبة والود والتراحم والتفاهم وليس العكس، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهلِ بَيْتِهِ، وَهُو مَسؤولٌ عَنْهُمْ، وَالمرأَةُ رَاعِيَة عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَة عَنْهُم، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسؤول عَنهُ، أَلَا فَكُلُكُمْ رَاع، وَكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَتِهِ) [متفق عليه].

رشيدة بلال