عادات متجذرة في المجتمع القسنطيني

احتفالات بطقوس محلية

احتفالات بطقوس محلية
  • القراءات: 495
شبيلة. ح شبيلة. ح

تحتفل مدينة قسنطينة، عاصمة الشرق الجزائري، بالمولد النبوي الشريف، بمجموعة متنوعة من العادات والتقاليد التي تعكس مزيجا فريدا، بين الأصالة والتجديد. هذه المناسبة الدينية تجمع بين العادات القديمة التي توارثتها الأجيال، والجديدة التي أضافها المجتمع الحديث. وعلى الرغم من أن بعض التقاليد الأصيلة بدأت في التلاشي مع التطور الاجتماعي، إلا أن المدينة لا تزال تحافظ على جوانب من طقوسها، التي تضفي على ذكرى مولد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، طابعا مميزا، يجمع بين الماضي والحاضر.

في الماضي، كانت الاحتفالات بالمولد النبوي في قسنطينة، تستمر لمدة أسبوع كامل، حيث تبدأ التحضيرات قبل المناسبة بأيام. كانت تتنافس النساء في إعداد أطباق تقليدية، مثل "الشواط" المعروف أيضًا بـ"تريدة الطاجين"، و"الشخشوخة" أو "التريدة"، وهي أطباق لا يمكن أن تغيب عن المائدة القسنطينية خلال هذه المناسبات. بالإضافة إلى ذلك، كانت الحلويات مثل "المقروط"، و'البسيسة" (الزرير)، و"طمينة الغرس"، تحظى بمكانة خاصة ضمن قائمة الأطعمة التي تُحضَّر لهذه المناسبة.
إلا أن الزمن ألقى بظلاله على بعض هذه العادات، لتبدأ في الاختفاء تدريجيًا. ومن أبرز هذه العادات التي اندثرت؛ "إشعال الشموع الملونة"، حيث كانت النساء يشعلن الشموع ويضعنها أمام أبواب منازلهن أو في زوايا البيوت، ليعلن بذلك عن بداية الاحتفالات. كانت هذه الشموع تُنير الممرات الضيقة وتُضفي لمسة من البهجة على المدينة، لكن هذه العادة لم تعد تلقى نفس الاهتمام، في ظل التغيرات الاجتماعية الحديثة. عادات أخرى، مثل "زيارة الزوايا" كانت تُعتبر جزءا لا يتجزأ من الاحتفال، حيث كانت العائلات تزور الزوايا الشهيرة، مثل زاوية سيدي عبد الرحمن وزاوية سيدي راشد، لتقديم الصدقات وإقامة حلقات الذكر والمدائح النبوية. ومن العادات التي اختفت أيضًا "تلوين البيض"، حيث كانت تُفرغ الأمهات البيض من محتواه لتلوينه مع الأطفال، ومن ثم تقديمه كهدايا للأطفال الذين يحتفظون به لمدة أسبوع قبل أن يُكسر.

عادات مستمرة تربط الماضي بالحاضر

رغم اندثار بعض العادات، إلا أن هناك تقاليد لا تزال محافظة على مكانتها. من بين هذه العادات "ختان الأطفال"، حيث تستغل العائلات المناسبة لإجراء عمليات الختان، في جو يجمع بين الطابع الديني والاجتماعي. يتبع حفل الختان وليمة عشاء، تشمل أطباقًا تقليدية، مثل "الشواط" و"التريدة"، وسط أجواء مفعمة بالفرح.
كذلك تستمر "حفلات نقش الحناء" التي تُقام للأطفال، حيث تتجمع العائلات في أجواء احتفالية، تتخللها المدائح النبوية وتُزين الأمكنة بالشموع والبخور. ويقوم أحد أفراد العائلة الكبيرة بنقش الحناء على أيدي الأطفال، فيما تُردد الأمهات والجدات الأناشيد الدينية التي تجعل المناسبة ذكرى لا تُنسى.

تطور المجتمع وتغيّر طقوس الاحتفال

مع مرور الزمن، بدأت بعض العادات الجديدة تفرض نفسها على احتفالات المولد النبوي في قسنطينة. فاليوم، تدمج العديد من العائلات بين التقاليد القديمة ووسائل الترفيه الحديثة، مثل الألعاب النارية والعروض الضوئية. رغم هذه التغيرات، تبقى قيم التكافل الاجتماعي حاضرة بقوة، إذ لا يزال تقديم الطعام للفقراء والمحتاجين جزءًا أساسيًا من الاحتفالات.

ترسيخ الهوية الثقافية في احتفالات المولد النبوي

في السنوات الأخيرة، أصبحت الأسر القسنطينية تولي اهتماما خاصا لترسيخ الهوية الثقافية، من خلال تعزيز العادات والتقاليد المحلية، خاصة عند الأطفال. أصبحت الملابس التقليدية جزءًا لا يتجزأ من الاحتفالات، حيث يرتدي الأطفال ملابس تقليدية، مثل "قندورة القطيفة القسنطينية" و"الكاراكو". كما تُنظم الحضانات والمدارس فعاليات تراثية، تهدف إلى تعزيز هذه العادات، ما يوثق الارتباط بالتراث المحلي.
ترافق هذه الأجواء، تقديم الحلويات التقليدية، مثل "المقروط" و"الطمينة"، التي تُعد جزءًا أساسيًا من التراث القسنطيني، إضافة إلى الأناشيد الدينية التي تضفي طابعًا روحانيًا على الاحتفالات، حيث يردد الأطفال أغاني، مثل "زاد النبي وفرحنا بيه" و"الصلاة على محمد".

الأصالة والتجديد في احتفالات المولد النبوي

لا تزال بعض الجوانب الرمزية للاحتفال بالمولد النبوي تحتفظ بمكانتها، مثل توزيع الحلويات التقليدية وزيارات الأقارب، مما يعكس مزيجا فريدا، يجمع بين التقاليد العريقة واللمسات الحديثة. وبهذا تبقى احتفالات المولد النبوي الشريف في قسنطينة، مناسبة تعبر عن ترابط الماضي بالحاضر، في مشهد يجسد تفاعل الأصالة مع التحديث، مع الاحتفاظ بالقيم الدينية والاجتماعية، التي تجعل من هذه الذكرى حدثًا استثنائيًا في قلوب سكان المدينة.