منير بوشناقي المدير السابق للمركز الإقليمي العربي للتراث العالمي:

البعد الاقتصادي أساس حياة المدن القديمة

البعد الاقتصادي أساس حياة المدن القديمة
  • 1261

يقول الخبير الدولي منير بوشناقي، أنه لا يمكن أن تعيش القصبة كما كانت تعيش في القرن الـ18، بل عليها أن تنخرط في حركة العصر وتصبح نسيجا متكاملا مع مدينة الجزائر العصرية، وهنا تحدث الخبير لـ»المساء»، عن نموذج المدينة القديمة باليمن، حيث أقيم بها فندق وهو ما كان يسمى قديما بالسمسرة، وأقيمت مرافق أخرى بتمويلات من ميزانية برنامج الأمم المتحدة لسنة 2000، وكان هو مشرفا على العملية واعتبر ذلك بـ»نموذج التنمية»، بالتالي فإن الترميم والتنمية لا بد أن يكونا وجهان لعملة واحدة.

هناك ـ حسبه- نماذج لمدن قديمة أخرى عبر العالم، خلقت نشاطات حرفية واقتصادية داخل أحياء كانت مهجورة، منها ميتيرا جنوب إيطاليا التي انتشلت من النسيان، وتم إحياؤها وتصنيفها، وستكون السنة القادمة عاصمة أوروبا، تم فيها إنشاء عدة مرافق، منها أروقة عرض الأنشطة الثقافية وإدخال وسائل التكنولوجيا. كذلك الحال مع حي عتيق بهافانا الكوبية، حيث أخرج سكانه إلى بنايات مجاورة، وعند إتمام الترميم عادوا حفاظا على النسيج الاجتماعي للمدينة العتيقة.

بالنسبة للقصبة، يرى المتحدث، أن النموذج الأقرب إليها هي قصبة تونس، سواء من حيث الترميم أو التمويل، علما أن تونس مثال حي للعمارة العربية الإسلامية، ويؤكد الخبير على ضرورة ترميم البنية التحتية للقصبة على أساس متين، ثم وضع خطة نمو تستهدف البعد الاقتصادي للمنطقة، إذ لا يعقل ـ حسبه- ترميم الحجارة وترك السكان، بالتالي يستوجب إدخال برامج ثقافية وحرفية وتكنولوجية متنوعة، تماما كما جرى في هافانا واسطنبول وتونس.

م.ن

المهندس والخبير الألماني أرمين دوروداعا القصبة

أشار المهندس الألماني أرمين دور إلى أن القصبة ابتلعت أموالا ضخمة دون أن يكلل ذلك بالنجاح، مذكرا أن إعادة إعمار مدينة نورمبورغ الألمانية التي تعرضت لشبه دمار كلي عقب الحرب العالمية الثانية، لم تصل تكلفته إلى ما تم صرفه على القصبة،  وبدا المتحدث متشائما حينما قال «وداعا القصبة».

هذا الخبير شارك في ثمانينيات القرن الماضي ضمن فريق مهندسين لإعداد دراسة حول ترميم هذه المدينة العتيقة، ووقف حينها على بعض الانهيار الحاصل وماذا يمكن فعله، وبعد غياب 23 سنة، عاد مجددا إلى القصبة ليصاب بالدهشة، حيث شهد انهيارا كبيرا وغابت عدة أماكن من الخريطة وحل القصدير، وأغلقت الكثير من الدكاكين وخفت حركة المارة، بالتالي التجارة،  وضاعت بعض المعالم، وغادر الكثير من السكان الذين كانوا هناك، وانطفأت الحياة حتى من حلقات لعب الأطفال كرة القدم في «الحومات».

مشروع ترميم القصبة الذي يعود إلى 30 سنة، لم يتحقّق ـ حسبه- رغم الإمكانيات المادية الضخمة المتوفرة، علما أن عملية ترميم القصبة رصد لها في 2017 مبلغ 2400 مليار سنتيم كمرحلة أولى، من غلاف مالي مرصود يبلغ 9200 مليار سنتيم.

كما قرّرت الحكومة نقل ملف ترميم القصبة من وزارة الثقافة إلى ولاية الجزائر، بعد فشل تجارب إعادة الترميم التي استهلكت أموالا طائلة دون أن تعيد لهذه المدينة العتيقة وجهها الحقيقي.

م.ن

السيدة كريمة صادقي: المهم أن تبقى القصبة حية

أشارت السيدة صادقي، مديرة الوكالة الوطنية للقطاعات المحفوظة، إلى أن بعض الدول تشاركنا نفس الإشكاليات في موضوع الترميم وتأهيل المدن القديمة، لكنها ترى أن أقرب تجربة هي التجربة التونسية، حيث نقتسم معها بعض الاهتمامات، منها موضوع الميراث والملكية وهو ما يستدعي الاهتمام. عن القصبة، أوضحت المتحدثة برمجة تنفيذ عمليات الحفظ والترميم والتثمين المنصوص عليها في المخطط الدائم لحفظ القطاعات المحفوظة وتقييمها، وإبداء رأي تقني مطابق حول التدخلات في القطاع المحفوظ بطلب من السلطات المعنية، والعمل  على تطابق الدراسات والأشغال المتصلة بترميم الممتلكات الواقعة في قطاع محفوظ وإعادة تأهيلها وحفظها وتثمينها مع المعايير المعمول بها في هذا المجال.

كما ترى المتحدثة أن ما جعل القصبة تموت، هو النشاط التجاري الغائب، ولن تعود إلى سابق عهدها إلا بالرجوع إلى هذا النشاط، علما أن قلب القصبة لا زال غائبا في هذا المجال الحيوي، زد على ذلك وجوب تشجيع المستثمرين على التواجد بالقصبة لتحقيق مشاريعهم، منها الفنادق والمقاهي وباقي الهياكل والوسائل وكذا فتح ملاحق للبريد والبلدية وغيرها بالقصبة (خدمات يومية للمواطن).

نشاطات أخرى تحدثت عنها السيدة صادقي، منها العمل السياحي الدائم وكثرة النزل والمراقد والمطاعم، واستمرار النشاطات الثقافية وبعث الحرف التقليدية وغيرها، مؤكدة على أهمية التعاون مع بلدية الجزائر على اعتبارها شريكا فاعلا ومهما، وكذا قطاعات أخرى منها السياحة، والجمعيات المدنية.

من جهة أخرى، أشارت المتحدثة إلى أن مدنا قديمة عبر العالم لم تنهض بين ليلة وضحاها، بالتالي فإن القصبة تتطلب -حسبها- وقتا طويلا لتكتمل، معللة بأن الآخرين جربوا وفشلوا وتوقفوا، ثم جربوا وأوقفوا مخططات واستبدلوها بأخرى حتى وصلوا إلى المبتغى، كما هو حال تركيا، مثلا.

ما يهم، كما قالت السيدة صادقي، هو أن تبقى القصبة في المستقبل حية بسكانها لأنهم روحها وقلبها النابض وحماة ربوعها وتراثها، مؤكدة أن المؤشرات إيجابية اليوم، حيث سجلت الإحصائيات 482 طلبا من ملاك بيوت من القصبة، منها 327 طلبا يريد أصحابه المحافظة على دويراتهم، كي ترمم ويعودوا ليسكنوها، علما أنهم تركوها لكنهم لم ينفصلوا عنها، لأنها من رائحة الأجداد، ويتم توعية السكان وإعلامهم بكل مسألة مرتبطة بحفظ القطاع المحفوظ وحماية وحفظ المعالم التاريخية المصنفة الواقعة فيه، وكذا تقنيات صيانة البنايات القديمة.

م.ن

الخبير والمهندس المعماري جعفر نسبتأطلقوا مبادرة الخواص

أشار المهندس المعماري والباحث في علم الاجتماع جعفر نسبت،  إلى أن القصبة بقيت ساحة للتجارب دون أن يتحقق الكثير أو المطلوب، وبقيت القوانين ـ حسبه- مجرد نصوص، وساء الحال، المتحدث ابن القصبة شب فيها ويأمل أن يرى مستقبلها مشرقا، لذلك يؤكد لـ»المساء»، أن ذلك لا يمكن إلا بانخراط السكان، خاصة في مسألة الترميم، وهذا الأمر كان موجودا منذ العهد العثماني، حيث صدر قانون ردعي بسطر واحد، لكنّه طبق بصرامة، مما حافظ على القصبة، ويقضي بأن كل من تتعرض داره لتصدع أو أي تشقق عليه أن يرممها في ظرف سنة لا أكثر وإلا تؤخذ منه، وينبغي اليوم أن يكون الحال نفسه، فكل من يملك ولو قطعة صغيرة من الأرض، عليه أن يسيجها وينظفها، فالقصبة عانت بما فيه الكفاية من مشكل الأوساخ.

يرى المتحدث أن عنصر الشباب تم إهماله من هذا المشروع، رغم استعداده للعمل، فطالما انتظر أن يستغل المساحات الشاغرة لينظفها ويقيم فيها فضاءات للترفيه، وتكون أيضا مكانا لحراسة القصبة، لكن الأمور بقيت مجرد كلام، زد على ذلك نظرة المسؤولين السابقين الذين كانوا يرون أنّ الترميم لابد أن يكون عملية جماعية، تضم عدة بيوت وأماكن، في حين أنه يمكن أن تكون فردية، بيتا ببيت، مع إشراك السكان، كل يرمم بيته كما يشاء، دون أن ينتظر تدخل السلطات.

يقول السيد جعفر «رغم جحيم الاستعمار والظروف القاسية، حيث كان 10 أفراد يشغلون غرفة واحدة في الدويرة،  ظل البيت قائما ومتينا والسبب حرفة الدالة التي تخص إشراك السكان في صيانة السكن وفي تنظيم الدويرة والمنزه، وكانت إحدى ربات البيوت عندما تنظف الدويرة وتلاحظ أمرا ما، تستعجل زوجها بالقول «هناك ياجورة وجدتها تطبطب»، فيتولى الرجل الأمر سريعا ودون مقابل، وكان هذا النظام الاجتماعي ناجحا، لكن اليوم ساد الطمع وأصبح الجميع ينتظر معونة الحكومة».

بالنسبة للشباب الذي يطلب العمل والتنظيف وأحيانا دون مقابل فإنه ـ حسب- جعفر، يملك التجربة الميدانية وله الحق في الوجود. لم يكتف المتحدث بما قال بل يذهب إلى حد استعمال الإسمنت في الترميم، ويقول؛ لما لا إذا كان ذلك حدا للانهيار؟، كما يقول «أنا كمهندس وكعارف بتراث القصبة التاريخي ضد استعمال الإسمنت، لكن يا ترى ما هو البديل؟، فإذا كان الأمر مستعجلا لا ينتظر التقييم والترخيص وغيره، فليكن الإنقاذ بالإسمنت، علما أنه استعمل في عدة مواقع، منها قصر رياس البحر ومواقع بتلمسان وغيرها من جهات عبر الوطن.

بالنسبة للتجربة التقنية، أكد المتحدث أن للجزائر مراكز مختصة في صناعة وسائل البناء والترميم، ومن ذلك البناء والترميم بالحجر، وقد أثبتت نجاعتها في أماكن عديدة من الجزائر، منها منطقة أولاد جلال، لذلك ينبغي استغلالها.

م.ن

الخبير الإيطالي بيني:التجارة مستقبل القصبة

يتساءل الخبير الإيطالي بيني الذي اشتغل بالقصبة قائلا «لمن نرمّ القصبة»؟، وأكد أن لا تأهيل دون سكان، واقترح أن يكون سكان الدويرة من عائلة واحدة، ضمانا لسلامتها. كما شدد على ضرورة إعادة فتح المحلات المغلقة، فهي أولوية قصوى وإلا ماتت المدينة، إلى جانب استغلال المساحات الشاغرة، والقلعة كمتحف مفتوح، ناهيك عن المشاريع الصغيرة لإثبات وجود الدولة، كما أن استغلال المعلم التاريخي هو نوع من الحماية.

م.ن