دخلت معترك التنمية

الثقافة تنخرط في مسار الإصلاحات

الثقافة تنخرط في مسار الإصلاحات
  • القراءات: 1070
مريم . ن مريم . ن

التزمت الجزائر أكثر من مرة باتجاه جديد تسعى الحكومة من خلاله إلى إدماج الثقافة ضمن النسيج الاقتصادي الوطني وجعلها قطاعا منتجا، مع تثمين التراث الثقافي الوطني سياحيا، وهو التوجه الذي أكد عليه الوزير الأول، وطرحت ضمن هذا المنحى الاقتصادي الثقافي عدة تساؤلات منها مدى استعداد الجزائر لهذا النوع من الاستثمارات، وهل البيئة الاقتصادية مشجعة، وهل تملك الجزائر منظومة بنكية ومالية بإمكانها أن تجلب الاستثمارات الثقافية، وهل يقدم رجال المال والأعمال على الاستثمار في الفعل الثقافي.

نال قطاع الثقافة حقه في مخططات الحكومة وفي اهتمام رئيس الجمهورية وهو ما تجلى في عدة اجتماعات دورية،  فلقد صادق مجلس الوزراء في اجتماعه الدوري في الثلاثي الأول من السنة، برئاسة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، على عرض قدمته وزيرة الثقافة مليكة بن دودة حول “تطوير قطاع الثقافة والصناعة السينماتوغرافية”، وتضمن العرض تشخيصا لواقع القطاع واقتراح استراتيجية لتطويره في الفترة 2020 – 2024 بالتعاون مع قطاعات وزارية أخرى.

تم اقتراح إطلاق صناعة سينمائية وهذا بخلق ديناميكية تمهيدية من خلال إنشاء المركز السينماتوغرافي الوطني ورفع الإنتاج السينمائي إلى 20 فيلما في السنة وكذا التسوية النهائية لوضعية القاعات السينمائية الواقعة تحت وصاية الجماعات المحلية والتي أغلبها خارج الخدمة.وقد اقترحت الوزيرة في هذا الصدد “إعفاءات جبائية وشبه جبائية” لصالح المشتغلين في القطاع، معتبرة أن تجسيد هذه الاستراتيجية يستدعي مراجعة الإطار التشريعي والإداري والهيكلي والخدماتي للإنتاج الثقافي.

وقد أكد السيد الرئيس بأنّ “الغاية من بعث الصناعة السينماتوغرافية هي تشجيع الاستثمار في استوديوهات الإنتاج بتقديم كل التحفيزات للمهنيين من عقار وقروض بنكية لتنويع هذا الإنتاج حتى يكون وسيلة لتعزيز الروح الوطنية، وزرع الشعور في النفوس بالفخر بالجزائر وتاريخها بكل مراحله”.

في سياق متصل، يرى المختصون والمثقفون وحتى بعض المستثمرين أنّ الثقافة بحاجة لبيئة استثمارات جالبة ويمكنها أن تكون رافدا من روافد الاقتصاد الوطني بشرط تغيّر منظومة القوانين المقيدة لحرية المبادرة وتلك المتعلقة بالنظم المالية والبنكية. بقي قطاع الثقافة قطاعا استهلاكيا، بعد تكريس هذه السياسة لعقود، فلم تتحقق المداخيل والتحول إلى قطاع اقتصادي، رغم الخطوات الهامة التي بدأ يخطوها رجال الأعمال نحو الاستثمار في المجال الثقافي بعضهم أودعوا ملفاتهم لدخول مجال الاستثمار الثقافي خاصة فيما يتعلق بإنشاء المركبات الثقافية الكبرى. استمرت المساعي هذه السنة أيضا من أجل تحويل القطاع الثقافي إلى قطاع مثمر ومشارك في خلق الثروة، من خلال مخطط تنموي شامل وجامع ومتكامل مع قطاعات أخرى منها القطاع السياحي علما أنه تم خلال سنة 2020 التكامل أيضا وبشكل مباشر مع القطاع الصحي .

في هذا السياق، سبق للوزير الأول أن أكّد ضرورة تثمين النشاط الثقافي وربطه بالبعد الاقتصادي والتنموي اتجاه محمود  يستحق التثمين، ومرافقته بمجموعة من الإجراءات منها إعادة النظر في القوانين المنظمة والمسيرة لقطاع الثقافة وإخراجه من الطابع المهرجاني والفلكلوري المناسباتي إلى الطابع التنموي المستدام، وهذا من خلال خلق الوظائف وتثمين الإنتاج في الصناعات التقليدية التي تحافظ على الموروث الثقافي والحضاري. وتشجيع القطاع الخاص على الانخراط في الفعل الثقافي والاستثمار في هذا القطاع الهام الذي يتميز بالمردودية على المدى الطويل.

للإشارة، صدر شهر نوفمبر الفارط قرارا وزاريا يمنح مؤسسات قطاع الثقافة الحق في الاستفادة من عائدات الخدمات والأشغال التي تقوم بها إضافة إلى مهامها الرئيسية.وجاء هذا القرار -الذي صدر بالجريدة الرسمية وسيتم العمل به ابتداء من “يناير 2021”- في إطار الاستراتيجية المتعلّقة باستثمار واستغلال المورد الثقافي. حيث تتمكن المؤسسات الثقافية من متاحف ومكتبات للمطالعة العموميّة ودور وقصور الثقافة وكذا المركز الجزائري للسينما والمركز الوطني للسينما والسمعي البصري من تحصيل موارد مالية إضافيّة من خلال خدمات محدّدة لها علاقة بمهام هذه المؤسّسات” ما سيخلق “ديناميكيّة وحركيّة ثقافية بإشراك مختلف الشّركاء في العمل الثقافي. كما يتعلق هذا القرار بإيجار الفضاءات المتحفية وقاعات السينما وقاعات العروض والمحاضرات وكذا التجهيزات والعتاد وتقديم خدمات الصيانة وإنجاز الدراسات والبحوث وغيرها.


سنة التكريم والعرفان

تقدير لمن صنعوا أمجاد الفن والثقافة

شهدت سنة 2020 تكريمات عديدة بادرت بها الدولة نحو المبدعين الذين خدموا الثقافة والفن،  فكانت فرصة لردّ الاعتبار وتقديم العرفان، واعتبرت خطوة إعادة الاعتبار لرموز الفن والثقافة الجزائريين، إشارة قوية من الدولة إلى المكانة التي تحظى بها الثقافة في الجزائر الجديدة، ودعوة لنقل صورة الجمال والإبداع الجزائري والترويج له لتحقيق الوثبة الثقافية المرجوة، فالتوجه الثقافي الجديد يأخذ بعين الاعتبار أهل الثقافة والفن كعنصر فاعل ومؤثر..كما شهدت هذه السنة تكريم محبوب الجماهير عريوات بعد سنوات إقصاء طالت مساره الحافل، وبالتالي سمح هذا العربون بعودة المياه إلى مجاريها.

قال الوزير الاول العزيز جراد أثناء تكريم عدد من الفنانين والمثقفين الجزائريين خلال حفل حضره عدد من أعضاء الحكومة على هامش ايام اللباس الجزائري بقصر الثقافة “مفدي زكريا”،  “سندافع ليكون للمثقف المكانة المرموقة والبارزة في مسار التغيير المنشود، في اقرب الآجال مواصلة للخيار الرئاسي لانتقاء نموذج ثقافي أصيل”. بعض الأسماء المكرمة لها من التميّز والعطاء ما يجعل الحديث معها فخرا كبيرا، كيف لا وهي التي أعطت وانفردت في عطائها، كل في مجالها الإبداعي في التمثيل والغناء والبحث وكذا الكتابة..أسماء اجتمعت فيها الطيبة والتمكن، وبصمت المشهد الفني والثقافي الوطني والعالمي، فتم الاحتفاء بالكثير منها كبشير يلس شاوش، نادية طالبي، مريم وفاء، سيد احمد أقومي وإدريس شقروني، وعبد الوهاب عيساوي وسيد أحمد كرازبي، وغيرهم واعتبر جراد أن تكريم الفنان في الجزائر هو بمثابة “تكريم رمزي” لقامات من الفن الجزائري الذين كرسوا البعد الثقافي من خلال أعمالهم  خاصة في مجالات  السينما والمسرح والغناء، إضافة إلى تكريم كل المثقفين والعلماء الجزائريين.

ومن ضمن ما قاله السيد جراد “توجهنا الثقافي يأخذ بعين الاعتبار أهل الثقافة،  ولأجل هذا سندافع بكل ما أتيح لدينا ليكون للمثقف المكانة المرموقة والبارزة في مجال صناعة التغيير المنشود وفي إرساء معالم الثقافة الجزائرية والأصيلة في أقرب الآجال وهذا مواصلة لخيار رئيس الجمهورية في انتقاء نموذج ثقافي أصيل وحقيقي،وللتأكيد على التقدير الواجب نحو كبار ورموز الفن والثقافة الذين صنعوا مازالوا يصنعون تميز وتنوع الجزائر الثقافي، سيتم مواصلة تكريم وبدون انقطاع أهل الثقافة والاحتفاء بأعمالهم والارتقاء بإبداعاتهم.” من جهتها كانت وزيرة الثقافة و الفنون مليكة بن دودة قد أكدت أن وزارتها مستعدة للوقوف إلى جانب الفنانين لتجسيد مشاريعهم الخاصة مع ضمان الإطار القانوني لحمايتهم من أيّ تجاوزات، وشددت على أهمية أن يكون الفنان شريكا حقيقيا كمبدع ومتحرّر ومستقل ماديا.

عريوات سيد المتوجين

لا ينكر أحد أن نجومية الفنان القدير عثمان عريوات بلغت الأصقاع والأقاصي، ما مكّنه أن يكون لسان الشعب وضميره، يطرح بتمثيله الساخر وبعفويته قضايا من الواقع الجزائري الصرف، ورغم المكانة والجهد الذي حققه “البومباردي” لكنه لم يستطع أن يواجه القوة التي وقفت في وجهه وحالت دون ظهوره أمام الكاميرا، لينسحب في هدوء ويترك ساحته فارغة لم يملأها غيره، إلى أن تبدلت الأحوال، وأعيد إليه الاعتبار الذي لم يفقده يوما عند جمهوره الواسع، ليتوج بأعلى الأوسمة وليطلق سراح مشاريعه.

عاد عثمان عريوات من الباب الواسع من خلال  تكريم رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون شخصيا له بمنحه وسام الاستحقاق الوطني بدرجة عشير، حيث تقمص هذا الفنان القدير، عدة شخصيات على طرفي النقيض، إذ قدم شخصية شيخ المقاومة بوعمامة و التزم بخطاب الشيخ وعلو هامته، مقدما نموذج المناضل والمجاهد الكبير والحكيم والمحنك.ولم يمنع هذا الأداء، عريوات، من أداء أدوار كوميدية أدخلته بيت وخلد المتفرج الجزائري، ولا زالت عالقة بذاكرته، جسدها في أعمال كثيرة منها “مخلوف البومباردي” في فيلم “كرنفال في دشرة.” وهو ما دفع الجميع اليوم وفي كل الأوقات، إلى انتظار عمله الجديد “العرش الأحمر”، بكثير من الشغف والشوق، فيلم كان مثار حديث بين أروقة الثقافة والفن والسينما وغيرها، كما أشارت إلى ذلك إحدى بيانات وزارة الثقافة.


” دار السلطان” تفتح أبوابها للجمهور

أولى ثمار الترميم

قرر الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية بالجزائر، افتتاح القسم المرمم من قلعة الجزائر، التي كانت مقر الحكم خلال أواخر العهد العثماني أمام الجمهور، للتشجيع على ارتياد المواقع الأثرية والتاريخية.

أطلق الديوان برنامج التظاهرات الثقافية التي بإمكان الجمهور متابعتها بعد الافتتاح، حيث تم تنظيم معرض للصناعات التقليدية، وفنون البناء المستعملة في عملية الترميم، إلى جانب برمجة جولات سياحية إرشادية عبر الأجزاء المرمّمة، وتشمل مواقع الزيارات حيّ الإنكشاريين، والحمّام الإنكشاري، والحصن رقم 5، مع إعادة اكتشاف البرج.

وتمكّن زوار هذا المعلم التاريخي إلقاء نظرة عامة على القلعة، علما أن زيارات الموقع تكون على مدار أيام الأسبوع، على أن تتمّ مراعاة الاحتياطات الصحيّة والوقائيّة التي تمّ اتّخاذها لمواجهة وباء كورونا المستجد.

وقلعة الجزائر، التي تسمّى أيضا “دار السلطان”، تعد من أهم المعالم الثقافية المصنفة ضمن قائمة التراث العالمي، وقد شهدت السلسلة الواقعة بالقصبة في أعالي العاصمة، سلسلة من عمليات الترميم، في إطار عملية ترميم واسعة شملت حيّ القصبة العتيق بأكمله.

مجلس وزاري مشترك لدراسة ملف قصبة

وللأهمية التي تكتسي ملف ترميم الحي العتيق، ترأس الوزير الأول عبد العزيز جراد خريف 2020 مجلسا وزاريا مشتركا خصص لدراسة الملف المتعلق بحماية قصبة الجزائر، بمشاركة الوزراء المكلفون بالداخلية والمالية والثقافة والسكن والسياحة وكذا والي ولاية الجزائر، وكان ذلك في إطار “المتابعة الدائمة لمدى  تطور الوضع السائد على مستوى القطاع المحمي لقصبة الجزائر”.

أشاد الوزير الأول بالجهود التي تبذلها الدولة في مجال إعادة تأهيل هذا الموقع التاريخي والحفاظ  عليه وكذا الالتزامات المتخذة لحماية هذا التراث الوطني والعالمي وحفظه، وأشار إلى أنّ الحكومة “تنتهج المسعى الذي أوصت به لجنة التراث العالمي لليونسكو” وأن “تقريرا حول وضعية حفظ قصبة الجزائر سيتم إرساله عن قريب إلى مركز التراث العالمي لليونسكو تحسبا لدورته الرابعة والأربعين المقرر عقدها في غضون سنة 2021”.

بالمناسبة، أعطيت تعليمات إلى جميع القطاعات المعنية لحملها على إعداد “خارطة طريق مشتركة من أجل وضع استراتيجية شاملة لحماية قصبة الجزائر” مع التأكيد على أنه “سيحرص على متابعته بهدف ضبط المساعي التي باشرتها مختلف القطاعات من أجل ضمان تكفل أفضل بهذا الملف.