عاداته راسخة في وجدان المجتمع الوهراني

المولد النبوي مناسبة لترسيخ القيم الدينية

المولد النبوي مناسبة لترسيخ القيم الدينية
  • القراءات: 662
رضوان. ق رضوان. ق

لا يزال الاحتفال بالمولد النبوي الكريم بولاية وهران، وعموم منطقة الغرب الجزائري، يحافظ على رونقه التقليدي وعادته المترسخة منذ عقود، والتي لم تتغير بمرور الوقت، والتطور الذي نتج عنه عادات دخيلة، لم تعرف انتشارا ولا توسعا، مقابل تمسك الوهرانة بعاداتهم الجميلة، المعبرة عن التضامن والتآزر العائلي والمجتمعي.

مع اقتراب الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف بوهران، تبدأ المؤشرات الأولى لاستقبال المناسبة، بانتشار باعة البخور وأدوات الزينة وعود القماري وسماع ذوي المفرقعات، والتي بقيت منذ سنوات، مؤشرا هاما للمناسبة، رغم أنها من العادات الدخيلة التي تبقى مرفوضة لدى عموم العائلات، لما لها من انعكاسات سلبية ومشاكل وتقدير للأموال، كما يتسم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، بصنع أنواع من الحلويات المميزة، وعلى رأسها حلوى "التقنتة" و"الكعبوش" و"الطورنو" و"المسمن" بالعسل، إلى جانب الأكلة الشهيرة "البروكسي بالدجاج" و"الرقاق بالموقع الأبيض".
وتحضيرا للاحتفالات المخلدة لذكرى سيد الأنام، تقوم معظم العائلات بتنظيف المنازل والمساجد، كفأل حسن للتبرك بالمناسبة السعيدة، التي تعيد مجددا التكافل العائلي وتجمع العائلات، خاصة ما تعلق بتبادل الأكلات ليلة المولد النبوي الشريف.

بخور وشموع وحلوى "التقنتة" ، "الكعبوش" و"الطورنو" يأبى الاندثار

تبدأ التحضيرات لدى العائلات الوهرانية، بشراء الشموع ومختلف أنواع البخور زكية الرائحة، والتي تختلف عن البخور القديمة، خاصة في ظل التطور وبروز أنواع بروائح الفاكهة النادرة والعطور العالمية، ما يجعلها أكثر إقبالا عليها لتزيين الاحتفالات بالروائح الزكية، وحسب بعض النسوة من قدماء سكان حي سيدي الهواري، فإنه وفي صبيحة اليوم الأول، تقوم النساء بتحضير حلوى" التقنتة" أو "الطمينة"، التي تقدم مع قهوة الصباح، وهي حلوى تحضر بالأساس من مادة السميد المحمص، يضاف إليه العسل والسمن ويزين بالقرفة، إلى جانب بعض الحلوى مختلفة الألوان، و«التقنتة" أساس الاحتفال، قد تضاف لها حلوى "الكعبوش" التي تعد هي الأخرى من أسهل أنواع الحلوى تحضيرا، وتضم نفس مكونات حلوى "التقنتة"، غير أنها تتميز بكونها تصنع على شكل كرات صغيرة من السميد المحمص، يُضاف لها التمر الذي يتم تحضيره مسبقا، والذي كانت العائلات تحضره خصيصا لصناعة "الكعبوش"، غير أنه أصبح يباع لدى المحلات على شكل صفائح بـ500 غرام و1 كيلوغرام.
كما تقوم العائلات بتحضير حلوى "الغريبية"، التي تعد كذلك من أسهل أنواع الحلويات تحضيرا، ولا تتطلب مكونات كثيرة، فهي عبارة عن حلوى ذات شكل هرمي، تصنع من الفرينة والسمن، ويوضع فوقها كمية من القرفة المسرحية، لتطهى داخل الفرن وتقدم مع القهوة، وكشفت السيدة بختة، البالغة من العمر 77 سنة، بأن بعض العائلات تقوم بتحضير حلوى "الطورنو" التي تعد من مميزات منطقة الغرب الجزائري، والتي تضرب في أعماق الذاكرة والتاريخ، وتتعلم صناعتها أغلب فتيات العائلات، لما لها من ارتباط مع أصالة المنطقة والتي تتميز بجمال منظرها اللامع، حيث تكتسي لونها من خلال وضع كمية من أبيض البيض فوقها قبل طهيها، ويتم تزيينها بالسكر في العادة أو وضع حلوى "قطع الخشب" الملونة، والتي تعطي لها شكلا جميلا، وتقدم كذلك مع الشاي في الغالب، مساء أول يوم من الاحتفال بالمولد.

"البركوكس" و"الرقاق" لجمع شمل العائلات

فيما تتجه ربات العائلات إلى اقتناء الكسكسي والدجاج، لتحضير الأطباق التقليدية، التي يتقدمها طبق "الرقاق"، الذي يقدم ليلة الاحتفال، وهو عبارة عن أوراق رفيعة على شكل دائري، تحضر من منتوج السميد، وتزين بـ"التغماس"، وهو عبارة عن مرق يحضر بالدجاج والحمص والخضر، كالجزر والبصل والكابويا، وهو الطبق الأكثر شيوعا لدى العائلات الوهرانية،
كما يشهد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في أول يوم، تحضير أكلة "البركوكس" التي تبقى من أشهر الأطباق بلا منازع، وهي الأكلة التي كانت تحضر بطريقة خاصة، وتضم أنواعا من اللحوم والخضر، غير أن غلاء اللحوم والخضر أنقص من قيمتها، لكن معظم العائلات، ورغم ذلك، تقوم بتحضيره، ويعتمد هو الآخر على مادة السميد، حيث يتم تحضير "البركوكس" بفتل السميد والفرينة باليد. لتشكيل كريات جد صغيرة، وغالبا ما يتم تحضير البركوكس قبل أيام وأسابيع، لأنه وحسب بعض النساء، يتطلب ذلك جهدا كبيرا ويجب أن يترك حتى ينشف ويصبح صلبا، ليكون جاهزا للتحضير كطبق، ويتم وضعه داخل إناء كبير وأسفله إناء من الماء الساخن إلى غاية ليونته، ليتم مقابل ذلك تحضير المرق المكون من عدة أنواع من الخضر والتوابل، التي تتقدمها منتجات الحرور والكمون والكروية، وهي توابل أساسية للتحضير، إلى جانب لحم الدجاج الأبيض وكريات من اللحم المفروم، ويقدم الطبق ساخنا ويجتمع حوله كل أفراد العائلة. فيما تتبادل العائلات الطبق ويقدم كذلك كهدية للعائلات غير القادرة والعائلات الفقيرة في شكل من أشكال الترابط والتضامن بين الجزائريين، لتكون مناسبة المولد النبوي الشريف موعدا آخر مع التأزر المجتمعي.

ختان جماعي، وحلقات للذكر ومسابقات لحفظ القرآن

يتميز الاحتفال بالمولد النبوي بطابع ديني، من خلال حلقات الذكر والحلقات الدينية داخل المساجد والمواعظ، حيث يتم تنظيف المساجد ووضع البخور وروائح الطيب، ويشير الشيخ جمال، إمام متطوع، إلى أن معظم المساجد بالولاية، تنظم مسابقات دينية للأطفال ورواد المساجد، يجتمع من خلالها المتسابقون القادمون من مختلف الأحياء للفوز بجوائز خاصة بالمناسبة، كما يشكل الاحتفال مناسبة هامة أخرى للتذكير بأواصر التأخير والتضامن بين المواطنين، وفي عدد من مساجد مدينة وهران، يتم توزيع الشربات المصنوعة من منتج الليمون على المصلين.
كما يشهد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، لدى العائلات الوهرانية، مناسبة هامة لختان الأبناء، حيث يتزين الأطفال والرضع بأبهى حلة، من طربوش وعباءات وزينة، كما تقوم الجمعيات بتنظيم عمليات ختان كبيرة، تضم في الغالب بين 20 و30 طفلا، في أجواء خاصة. وتتجند بدورها المستشفيات لاستقبال الأطفال من أجل الختان، إذ تشير أرقام من مديرية الصحة عن ختان نحو 1000 طفل في احتفالات السنة الماضية.