احتفالا بمولد خير الأنام

"الوزيعة" فرصة للتآزر وتصفية القلوب

"الوزيعة" فرصة للتآزر وتصفية القلوب
  • القراءات: 281

 منذ بداية هذا الشهر، تبدأ العائلات في برج بوعريريج وميلة بتنظيف البيوت، واقتناء أغراض جديدة فرحة بالمولد، كما تقوم بعض العائلات بعقد جلسات بحضور الأهل، إذ تحضر ربات البيوت ما لذ وطاب من الطعام التقليدي، على غرار الكسكس أو "الرشتة" أو "المفرمسة"، وغيرها من الأكلات الشعبية والتقليدية التي تعوّدوا عليها في كل سنة، وقرب أذان المغرب بدقائق، يجتمع أفراد العائلة، خصوصا الأطفال، حول مائدة من الشموع، ويرددون أناشيد وقصائد دينية على إيقاع الطبول، ثم توضع الحناء للأطفال.

وفي نفس الليلة، تحتفل المساجد أيضا بمولد خير الأنام، حيث يستقبل الأئمة قدوم غرة ربيع الأول بإلقاء الخطب والدروس والمواعظ في مختلف المساجد، يؤكدون فيها على أهمية تربية الأجيال الصاعدة على أخلاق الرسول الكريم، وكذا التعريف بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، وشخصيات التاريخ الإسلامي العظيم للأطفال، وكذا دعوة الحاضرين للتحلي بصفاته، كما يتم تكريم حفظة القرآن الكريم والأحاديث وكذا الفائزين بمختلف المسابقات التي أجريت لهذا اليوم، والتي تتضمن أسئلتها كلها سيرة الرسول الكريم، أما في صبيحة يوم 12 ربيع الأول، فتقوم بعض العائلات، خاصة تلك القاطنة ببلديات الجهة الشمالية، على غرار الجعافرة، الماين، القلة وغيرها بولاية برج بوعريريج وبني ورتيلان وبوعنداس وأيت نوال مزادة بسطيف، وكذا بلديات مينار زارزة وتسدان حدادة بولاية ميلة، بتحضير "الطمينة" أو "الرفيس"، ويجتمع عليها الصغير والكبير، تيمنا بأن يكون العام كله حلو كحلاوة تلك الأكلة، في حين تستغل بعض العائلات في ولايات الهضاب العليا هذه المناسبة، بختان أولادها.
تراحم وتقارب وإطعام الطعام
تعتبر "الوزيعة" أو "النفقة"، "السهمة" أو "تامشريط" بالأمازيغية، من مظاهر التضامن والتآزر للاحتفال بمولد خير الخلق في ولايات برج بوعريريج، سطيف وميلة، خاصة على مستوى المداشر والقرى، والمتمثلة في التقاء أبناء الدشرة على ذبيحة يكون فيها الضامن أحد أعيان المنطقة، ويتم شراؤها وإعداد قائمة يطلق عليها بأسماء كل عائلات الدشرة، وفي مقدمتها إمام المسجد ومعلم المدرسة الابتدائية ومعلم القرآن، اعترافا وتبجيلا لمكانتهما العلمية والدينية، وعادة ما تضم أسماء العائلات المعوزة في صدارتها، وبعد شراء الذبیحة من مال المقتدرين، من أرباب العائلات، ولا يذكر أسماءهم، يتم تقطيعها ووضعها في شكل حصص متساویة بعدد العائلات، ويقوم بعدها الأطفال بتوصيلها إلى منازل العائلات، وضحكتاهم البريئة تملأ المكان، وهم يمرحون، لأنهم يعرفون مسبقا أنهم سيتناولون عشاء في هذا اليوم ليس ككل الأيام، كما تكون الوزيعة فرصة لتلاقي الناس من أجل تصفية القلوب من الضغائن الناجمة عن خلافات محلية، إذ يتدخل إمام الدشرة لعقد عمليات الصلح وإعادة اللحمة بين السكان المتخاصمين، وبهذا تبقى الوزيعة عادة حميدة بين أبناء الهضاب العليا.