رأس السنة الأمازيغية 2968 بتيزي وزو
تحضيرات مكثفة تليق بمستوى الحدث
- 1372
تستعد عاصمة جرجرة للاحتفال برأس السنة الأمازيغية 2968 الموافق لـ 12 يناير 2018، في جو ميزته التحضيرات المكثفة. وخلافا لما جرت عليه العادة، فإن الولاية ستحتضن الاحتفالات الرسمية بمشاركة عدة ولايات من الوطن لإحياء يوم 12 يناير كعيد وطني رسمي وعطلة مدفوعة الأجر، وفقا لما أقره رئيس الجمهورية.
سطرت مصالح ولاية تيزي وزو برنامجا ثريا تشارك فيه مختلف المديريات الولائية، حيث وضعت كل واحدة برنامجها الخاص؛ احتفاء بهذا التاريخ الرمز. وأعطيت إشارة انطلاق الاحتفالات يوم الأحد الفارط على مستوى كل إقليم الولاية التي أقيمت بها معارض متنوعة ونشاطات ثقافية ورياضية، تحتضنها مختلف المؤسسات الثقافية ودار الشباب ببلديات الولاية.
وضبطت مديرية الثقافة بالمناسبة برنامجا ثريا يفتتح بتدشين سوق يناير، تحت شعار "يناير عيد وطني من أجل مرجع الهوية الجزائرية"، والذي يختزل تراث المنطقة المادي وغير المادي. ويضم المنتجات والأطباق التقليدية وغيرها. وستتواصل الاحتفالات إلى غاية 13 يناير، ببرمجة جملة من النشاطات الثقافية والفنية التي يتخللها ملتقى وطني حول "يناير رمز وتاريخ ألف سنة"، ويضم جملة من المحاضرات ينشطها أساتذة جامعيون وباحثون ومؤرخون، إلى جانب عرض أفلام وثائقية، منها "يناير بوهران"، "ششناق"، "نا طاووس" و«لغة زهرة". كما تم بالمناسبة تنظيم ورشات وعروض مسرحية.
وسخّرت مديرية الثقافة جل المرافق والمؤسسات الثقافية الموزعة على تراب الولاية؛ للمشاركة في إحياء الحدث التاريخي الهام، حيث بُرمجت بتاريخ 11 جانفي، مسابقة أحسن طبق تقليدي "خاص بيناير"، تشارك فيه جميع ولايات الوطن. وكما جرت عليه العادة سيكون المشاركون في الاحتفالات وزوار المعارض في 12 جانفي، على موعد مع "وعدة يناير"، إذ يقدم طبق الكسكسي بالدجاج لكل زائر لدار الثقافة "مولود معمري"، التي نظمت بالمناسبة حفلا فنيا ينشطه عدة فنانين.
من جهتها، سطرت مديرية الشبيبة والرياضة برنامجا ثريا، يضم معارض للصناعات التقليدية ومختلف المأكولات التي تتفنن المرأة القبائلية في إعدادها، حيث يُنتظر مشاركة 100عارض ممثل لعدة ولايات في الوطن، منهم العاصمة، تلمسان، البليدة، غرداية، أدرار، البويرة، بومرداس وغيرها، إضافة إلى مشاركة 42 جمعية ناشطة في مجالات مختلفة لاسيما التراث والثقافة، و40 حرفيا يعرضون منتجاتهم التقليدية، حيث ستكون الساحات العمومية فضاءات مفتوحة على الزوار، ستخلد كلا من ساحة مبارك آيت منقلات وساحة الزيتونة، الحدث من خلال احتضان نشاطات متنوعة.
وبرمجت مديريتا الفلاحة والصناعات التقليدية برنامجا خاصا بمناسبة حلول العام الجديد، من خلال تنظيم جملة من النشاطات على مستوى متحف المدينة.
الجدير بالذكر أن الاحتفالات التي شاركت فيها العديد من المديريات تدخل ضمن هدف إحياء يناير وإدراج قيمه في أوساط الشباب وترقية الهوية الثقافية للجزائر القديمة.
ويُسدل الستار على الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية الجديدة 2968 بقاعة العروض بدار الثقافة "مولود معمري"، بحفل غنائي وعرض أزياء، حيث تقدم المرأة القبائلية أحدث الموديلات والتصاميم والإبداعات الجديدة التي بلغتها الجبة القبائلية.
❊س. زميحي
حسن حلوان (أستاذ بجامعة مولود معمري): الإحياء يتطلب الحفاظ على الأصل والمعنى والمغزى
دعا الأستاذ بمعهد اللغة الفرنسية حسن حلوان إلى تبادل رسائل التهنئة بالعام الجديد بالأمازيغية "حتى تكون بداية التعبير والحديث بلغة الأم، وحتى نكون قد أخذنا الطريق نحو تطوير هذه اللغة وترقيتها"؛، مؤكدا أن "لقاء الناس بعضهم ببعض والحديث بنفس اللغة، كلّ واحد يأتي بكلمة جديدة وإضافة جديدة لقاموس اللغة، سيثري الرصيد المعرفي للأشخاص، ويحافظ على الذاكرة الشعبية التي تجمعنا". وقال إنّ إحياء وتخليد حدث معيّن يرتبط بالذاكرة، من خلال عرض ما يوجد وما كان موجودا، والعمل على استغلاله لتذكّر العادات والتقاليد التي منها "يناير"، حيث أوضح أن السعي نحو تذكر كل ما يتعلق بهذا الحدث وهذا التاريخ الذي كان في وقت مضى يتم إحياؤه فرديا كل بمنزله وقريته ومحيطه واليوم ومع مرور الوقت خرج من قوقعته إلى العلن وأصبح في الميدان كحدث معروف، يتم إحياؤه ضمن تظاهرات رسمية، ما كان وراء تطويره أكثر وأكثر، قال: "تطويرنا هذا الحدث هو إقحامنا لأنفسنا". وأشار حلوان إلى أن يناير يتضمن شقين، أولهما متعلق بالمعرفة، ويرتكز على أهلية وترويض الوقت الذي يتطلب معرفة ما هو آت حتى يهيَّأ له الجو، والذي يعتمد على رزنامة معيّنة تتماشى مع كل وقت، كتقليم الأشجار، الذي يتطلب معرفة الوقت المناسب لذلك؛ بانتظار شهر فيفري لينتهي وقت البرد، ما يؤكد أن كل عمل فلاحي وزراعي متعلق بوقت خاص لإنجازه، هذا يوضح معنى "المعرفة"، التي تعني استغلال التجربة والمعارف التي تناقلها الأفراد فيما بينهم، والتي تم تطويرها شيئا فشيئا بمساهمة كل فرد بمعارفه إلى أن تصبح معرفة ثرية من كل جوانبها، عندما يطّلع عليها الفرد لاحقا، وتضم جميع مضامينها. وقال إنه عند الحديث عن الرزنامة الأمازيغية التي قُسمت على شكل فصول "إيزقزاون" و«إيقورانن" وغيرهما التي تسير وفقا للوقت، فهي تعبّر عن معرفة بالطبيعة وأوقاتها وكيف تسير الفصول ومعرفة كل وقت والأشغال التي تتماشى معها، حتى يدرك الفرد كيفية استغلالها لخدمة أرضه وحقله وتحقيق الإنتاج. وأضاف حلوان أن بالعودة إلى التقويم الروماني "الشمسي" الذي وضعه جول سيزار، نجد هناك الشق الثاني ليناير، وهو شق التاريخ. وأشار إلى أنّه كتب مختلفا، حيث كل واحد كتبه كما يريد يناير، التاريخ والمعارف وغيرها، موضحا أن كل واحد عندما يتحدّث عن تاريخه يتكبر ويفتخر، لأنه ببساطة يظهر ويبرز جوانب من تاريخه التي تجعله عظيما وكبيرا في أعين الآخر، متأسفا لأن هذا غير ممكن عندنا، قال: "نحن لم نكتب تاريخنا، والذين كتبوه كتبوا ما يناسبهم، درسنا واطلعنا على تاريخ الغير وما قدمه الآخر، لكن تاريخنا لم يطلعنا عليه لا المدرسة ولا التلفزيون ولا المثقفو ولا غيرهم".
واعتبر الجامعي أن ربطنا ليناير بششناق كان على حق، على اعتبار أن التاريخ هو "نقل وتحويل" من شخص إلى آخر وبناء، بدءا من بناء الذاكرة الجماعية، مشبها المعارف بقصر كبير تتساقط أجزاؤه، حيث يساهم كل فرد من المجتمع في بنائه بإضافة حجر وأجرة، حتى يتم إعادة القصر إلى حاله ووضعه، ليتم بهذه المعارف بناء التاريخ، وهذا البناء - يضيف حلوان - يسمح لكل واحد بأن يبني نفسه وشخصيته بربطها بجذوره وتاريخه، حتى يدرك من يكون وحتى يعيش به. وقال إن استحضار وإحياء يناير، اليوم، ليس باتباع العادات القديمة التي تصاحب هذا الحدث، كتنظيف البيت بوضع مادة الطين والطهي على الكانون وغيرهما، لأن الوقت قد تغير، وإنما إحياء يناير يتطلب الحفاظ على الأصل والمعنى والمغزى والرمز من هذا الحدث وهذه اللحظة، قال: "هناك نظرة أولية كحدث واحتفال، لكن يجب أن نبحث عن هذا الجانب المخفي من يناير، ليس فقط نحر دجاج وتحضير الكسكس"، مضيفا أن الحفاظ على التاريخ والهوية الأمازيغية يتطلب الحفاظ على اللغة؛ لأنها تتماشى معهما، ولا يمكن أخذ طرف وترك آخر لأنهما مرتبطان، داعيا إلى أن لا نبقي على يناير مجرد دخول عام جديد فحسب، وأن لا يبقى رهن "المتحف"، نخرجه فقط مع حلول 12 يناير، وإنما بالتطرق للعادات القديمة والمعاني والرموز التي ترتبط بإحيائه، قائلا: "يكون تاريخنا نعيشه يوميا، وهذا يتحقق بلغتنا".
❊س.ز
في غياب دليل مادي … مرجعية البداية الحقيقية للسنة الأمازيغية غير مثبتة
تؤكد الأستاذة زكية حاج طاهر، باحثة في التاريخ القديم، أننا إلى حد الآن لا نعرف إذا كان الاحتفال بدخول السنة الأمازيغية الجديدة، مرتبط بالحدث التاريخي الخاص بانتصار شيشناق على الملك الفرعوني، أو بانطلاق السنة الزراعية التي سبقت هذه الحادثة التاريخية، وقالت في حديثها إلـى "المساء": "ليس لدينا إلى حد الآن دليل مادي".
تضيف الباحثة حاج طاهر: "لهذا يظلّ السؤال الخاص بالمرجعية التاريخية للاحتفال بدخول السنة الأمازيغية الجديدة، يُطرح إلى حين وجود دليل مادي يؤكد هذه الفرضية أو تلك، مشيرة إلى أن إقدام بعض العائلات على الاحتفال بهذه المناسبة في ولايات متفرقة من الوطن، راجع إلى كون الأغلبية توارثت هذه الاحتفالية عن كبار السن الذين تمسكوا به ورجحوه إلى الحادثة التاريخية المرتبطة بانتصار شيشناق واعتلائه الملك.
من جهة أخرى، ترى الباحثة أن عند الحديث عن احتفالية يناير لا بد من التعريج على بعض الدلائل التاريخية المهمة التي تتكلم على وجود الشعوب الليبية والعلاقات التي كانت تربطها بمصر؛ تقول: "نستطيع الحديث عن شيشناق الذي لا يعدو وجوده في أول الأمر كمحارب في الجيش المصري؛ حيث كان الجيش ابتداء من الأسرة العشرين، يتكون من الليبيين". وتردف: "جاء ذكر اللبيبين عند المؤرخ الإغريقي هيرودوت في الكتاب الثاني الخاص بمصر والكتاب الرابع الذي أفرد فيه جزءا مهمّا لليبيين"، مشيرة إلى أن اسم ليبيا عند هيرودوت يعني كل شمال إفريقيا من غرب نهر النيل إلى المحيط الأطلسي.
وبالرجوع إلى المصادر الفرعونية فقد ورد حسب الباحثة في "حجر البالرمو"، عن العلاقات بين مصر والليبيين، إذ نجدهم منخرطين في جيش مصر خاصة في عهد رمسيس الثاني؛ أحد أهم فراعنة الأسرة التاسعة عشر. كما أن هناك مسألة خاصة بهذا الفرعون، تفيد بأنه غزا بلاد الليبيين، إذ ورد في الوثائق الفرعونية أنه في عهد الفرعون "منفتاح"، زحف ملك ليبي يدعى "أمرياي" بجيشه على منطقة الدلتا. وتضيف: "أما بالنسبة لما يتعلق" بشاشانق" أو "شيشاق" أو "شوشنق"، وهي كلها تسميات أوردتها المراجع التاريخية، فتشير إلى كونه مؤسس الأسرة الثانية والعشرين في مصر من أصول ليبية، ويرجع نسبه إلى شعب المشواش شمال ليبيا، وقد ورد ذكره أيضا في سفر الملوك في العهد القديم من الكتاب المقدس تحت اسم "شيشاق في سفر الملوك"، وكانت عاصمة ملكه مدينة بوبسطة. ويلقَّب باسم الفرعون الفضي؛ نظرا للكميات الكبيرة من الفضة التي عُثر عليها في قبره.
يرجح معظم الباحثين، حسب محدثتنا تمكن "شيشنق" من الوصول إلى الكرسي الفرعوني في ظروف مضطربة بمصر القديمة، حيث استعان به مصريون قدماء ضد الاضطرابات التي عمت مصر القديمة؛ جراء تنامي سلطة الكهنة في الأسرة 21. وحسب بعض المؤرخين المغاربة فإن التقويم الأمازيغي يعود إلى هذا الحدث التاريخي المتمثل في انتصار الملك شيشنق، الذي كان يكنّى أيضا بشيشونغ، على فرعون مصر بسوسنس الثاني، حيث حكمت أسرته من بعده مصر لمدة 250 عام.
❊رشيدة بلال