عادات وتقاليد يناير بالأوراس
تراث موغل في التاريخ
- 1070
أجمع مختصون وباحثون في التراث الأمازيغي، على أن احتفالات هذه السنة برأس السنة الأمازيغية الجديدة (أمنزو ن ينار) 2974، والمدعمة بترسيم الأمازيغية لغة وطنية رسمية، إلى جانب اللغة العربية، مكسب مهم يعزز البحوث في الرصيد الحضاري الأمازيغي للجزائر، بتنوعه وثرائه.
وحسبهم، فإن المناسبة تعد ارتباطا وحنينا للماضي، للبحث في عادات وتقاليد تحييها الأسر الجزائرية سنويا عبر مختلف ربوع الوطن، إذ تعبر في مضامينها مثالا وصورا للتفاؤل بسنة خصبة، حتى ولو اختلفت العادات من منطقة لأخرى، إلا أن المغزى الثابت، هو الحفاظ على البعد الحضاري الذي تتميز به الجزائر وتراثها الموغل في التاريخ.
وتشكل الاحتفالات بالمناسبة، هذه السنة، حدثا على وقع المكتسبات التي عززت تواجد اللغة الأمازيغية وترقيتها إلى لغة وطنية، بعد دسترها بقرار تاريخي وشجاع، وفق برنامج شامل لخصوصيات الحضارة الأمازيغية والمدرسة الجزائرية والهوية الوطنية بين الأصالة والمعاصرة، للتعريف بالمنتوج الثقافي الأمازيغي بكل تنوعه، وكل ما له علاقة بالتاريخ، الحضارة، والثقافة الأمازيغية وتثمين الجهود المبذولة من أجل تعميم اللغة الأمازيغية عبر مختلف المؤسسات التربوية عبر الوطن، كونها تصب في مسار تطويرها والمحافظة على هذا التراث الثقافي الوطني، وتوسيع دائرة تدريسها عبر كل ولايات الوطن، لتجسيد بعدها الوطني، كما هو منصوص عليه في الدستور، والاهتمام أكثر بالعمل الجامعي وتوسيع استعمالها في المحيط الجامعي والمجال الإعلامي.
وفي الأوراس الكبير، تشكل مظاهر الاحتفال بالمناسبة، فرصة للحفاظ على الشواهد الحية التي تؤكد الامتداد والأصالة، باعتبارها إحدى التقويمات التاريخية التي تؤرخ لتغلب الملك الامازيغي ششناق على ملك الفراعنة رمسيس الثالث سنة 950 ق. م، إذ تستحضر عبر ربوع الأوراس عادات وتقاليد توارثتها العائلات أب عن جد، وبقيت محافظة عليها إلى يومنا هذا.
رمزية الخصوبة والازدهار
يرمز للمناسبة إلى الخصوبة والازدهار، بإقامة طقوس خاصة، يباشرها سكان المنطقة، حيث يتم في هذه المناسبة، نحر ديك على عتبة المنزل، لإبعاد سوء الطالع، والتفاؤل بالخير، ووفرة المحاصيل. ويعتقد في بعض المناطق، أن من يحتفل بها سيبعد عن نفسه عين السوء، وعواقب الزمن. كما يعد يناير مناسبة للقيام بطقوس محلية عديدة، تختلف باختلاف المناطق.
وقد جرت العادة بالمنطقة، أن يحضر للمناسبة بكثير من الأنشطة الثقافية والفلكلورية المتنوعة، إذ يتجلى دور الجمعيات الثقافية التي تهتم بالشأن الأمازيغي، وتنبش في التراث بإقامة معرض للصور والألبسة التقليدية، وبرمجة محاضرات للتعريف بالموروث التاريخي والثقافي للحضارة الأمازيغية على مستوى الوطن، وأنشطة أخرى تتضمن إقامة معارض للأواني التقليدية، وإلقاء محاضرات حول التاريخ الأمازيغي، ينشطها أساتذة ومختصون في التاريخ، إلى جانب عرض حي لمختلف تقاليد المنطقة، للاحتفال برأس السنة الأمازيغية. كما تنظم زيارات ميدانية للبيوت القديمة الأوراسية.
احتفالات تحيي أمجاد الأمازيغ الأحرار
وفي السياق، تقول نادية زردومي، الكاتبة والشاعرة ومصممة الأزياء العصرية والتقليدية، والناشطة في الحركة الجمعوية، ورئيسة "نادي ماركوندا الأوراس"، أن الاحتفال بيانير يحمل من الدلالات ما يؤرخ لحضارة أمة، بامتداد لجذور لغوية، وفي نظرها يعد الحرص على تنظيم ندوات علمية تبحث في تاريخ الثقافة الأمازيغية وواقعها، مع استشراف مستقبلها والاعتماد على المشاريع العلمية، لإبراز خصوصيات الثقافة الأمازيغية، واستطردت تقول، بأن الأمازيغ الأحرار كانوا يحيون المناسبة قبل 950 سنة من ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام، واعتمدوها كمرجع للتقويم.
وعن مظاهر الاحتفال بالمناسبة، استطردت تقول بأن الأوراس الكبير يشكل مظاهرها بكل الطقوس التي تميزها، إذ تعتبر في مضامينها، مثالا وصورا للتفاؤل بسنة خصبة، حتى ولو اختلفت العادات من منطقة لأخرى، إلا أن المغزى يظل ثابتا، حسب المتحدثة، التي أوضحت أن الغاية من وراء ذلك، هو الحفاظ على البعد الحضاري الذي تتميز به الجزائر وتراثها الموغل في التاريخ. والحفاظ على الشواهد الحية التي تؤكد الامتداد والآصالة، باعتبارها إحدى التقويمات التاريخية التي تؤرخ لتغلب الملك الأمازيغي ششناق على ملك الفراعنة رمسيس الثالث سنة 950 ق. م، إذ تستحضر عبر ربوع الأوراس، عادات وتقاليد توارثتها العائلات أبا عن جد، وبقيت محافظة عليها إلى يومنا هذا.
يناير بين الأمس واليوم
أضافت محدثتنا، أن المناسبة يحضر لها في منطقة الأوراس بمراسيم محلية، قبل أسبوع من حلول رأس السنة الأمازيغية. وأضافت أن يناير يقسم إلى قسمين؛ قديم وجديد، حيث يحضر لهذين اليومين ويتضمن الاحتفال بهما عادات متميزة جدا، تميز المناسبة، ففي اليوم الأول يتم إعداد طبق يسمى بالشاوية "ثاروايث"، وتسند مهمة إعداده لسيدة كبيرة في السن في العائلة، ويتكون من طماطم وبصل وغيرها من مستلزمات تحضير مرقه، قبل أن تضاف إليه كمية من مادة الدقيق ويتحول إلى شكل عصيدة.
وعند تقديمه على مائدة الأكل، تضاف إليه كمية من السمن أو الدهان. وعلى خلاف النهار، يتم تحضير طبق الكسكسي خلال الفترة الليلية، وهناك من الأسر من تحبذ بدله "الشخشوخة"، وأضافت "بأن النسوة تكون في ذلك اليوم منشغلة بتنظيف المنازل، وعند الظهيرة يخرجن جماعيا رفقة الأبناء، من مختلف الأعمار، باتجاه البساتين والغابات والمناطق الجبلية المجاورة، لإحضار أنواع الأعشاب الخضراء، تنبؤا بعام فلاحي ناجح، كما يتم بالمناسبة، تغيير الأثاث المنزلي ويرمى رماد الموقد واثنين من أحجاره "اينين"، ويبقى الأيمن فقط يترك، حسب محدثتنا، تبركا به ليضاف الجديد على مكتسباتهم القديمة.
وحسبها دائما، فإنه يتم حضار حجرات صغيرة بعدد أبناء العائلة، تطلى بالسمن وتوضع على النار، حتى تسود، تنبؤا بزواج أحد أفراد العائلة حاضرا أو مستقبلا غير بعيد، حسب درجة اسوداد الحجر، وفي تلك الخرجة الاستجمامية، حيث يقوم كل شخص بتقليب سبعة أحجار ينظر أسفلها، فإن وجد نملا فهذا يدل على تكاثر عدد الماشية، من ماعز وغنم، أما تواجد الحشرات فيعني الأحفاد والديدان، وتعني العرائس، أما إذا وجدت حفر صغيرة فهذا يدل على مخازن المؤونة والمال.
كما تتعاون النسوة على إنهاء النسيج القائم قبل دخول السنة الجديدة، درءا لأي نذير شؤم، وبهذه المناسبة، تخصص للأطفال أساور من الصوف، تقدم لهم لضمان نشأتهم في حيوية، مع الرغبة في العمل، كما يتم غزل الصوف ويوضع مواضع الألم في المفاصل. وبسود الاعتقاد أنه مزيلة للضرر، وإن وضع في اليد، فإن الطفل سينال حظا وافرا من العلم، كما تتزين النسوة بالسواك والكحل ويرتدين أجمل ما لديهن من لباس وحلي.
أطباق تعكس أصالة المطبخ "الشاوي"
يتجلى نشاط النسوة في النهوض باكرا في رأس السنة الأمازيغية، لإعداد طبق" الشرشم"، وهي مادة القمح التي تغلى بماء ساخن، تضاف إليها حبات الحمص "اطنينت" والخليع، وهناك من يضيف لها الذرة المجففة. ويوزع على الجيران ويقال كل "شرشومة" فرعون لتذكيرهم بانتصارات الملك الأمازيغي شوشناق على الفراعنة، والذي انطلق منه التاريخ الأمازيغي.
أوضحت محدثتنا التي تفيض وطنية، عن الأصالة بحس مرهف وأصالة مفرطة في أعمال المرأة الأوراسية، وبحسبها، فإن أهم ما يميز الاحتفالية؛ السعي إلى التكثيف من الأنشطة الثقافية، وإبراز أهم الطبوع الفنية والعادات المتوارثة والصناعات التقليدية التي تعكس هذا الحدث التاريخي، مشيرة إلى أن الهدف من تنظيم مثل هذه الاحتفالات، هو رسم الصورة الفنية للاحتفال بهذا الحدث الأمازيغي، حتى يظل راسخا لدى الأجيال.
ولم تخف في ختام حديثها عن رأس السنة الأمازيغية قلقها إزاء هذه الاحتفالات، التي فقدت ـ حسبها ـ بريقها بالمدن الكبرى، ولم يعد الاهتمام بالمناسبة بالطرق والصيغ التي تعمدها العائلات الأوراسية في عمق الريف الأوراسي، الذي لا يزال محافظا ومتمسكا بتقاليده وإرثه الحضاري الجزائري المحض لتأكيد الامتداد.
السنة الأمازيغية الجديدة 2974.. صور فنية تبرز خصوصية الهوية الوطنية
تحضيرا لفعاليات الاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة (أمنزو ن ينار) 2974، الذي ينظم هذه السنة بمنطقة تكوت، تحت الرعاية السامية لوالي باتنة ومديرية الثقافة غرفة الصناعات التقليدية، تم ضبط برنامج ثري، بمشاركة الجمعيات والفعاليات الثقافية بدار الثقافة في باتنة.
تشمل الأنشطة المبرمجة، تقديم محاضرات وندوات حول يناير تبرز طقوس المناسبة بالأوراس الكبير، وستوزع أنشطة هذه التظاهرة بين دار الثقافة "محمد العيد آل خليفة" والمسرح الجهوي، والتي شرع فيها الأربعاء الماضي، بعرض مسرحية "يخف نو سوقاس" من إنتاج المسرح الجهوي باتنة، للدكتور صالح لمباركية، وإخراج الفنان المسرحي علي جبارة. وتنظم معارض وأنشطة مختلفة، فضلا عن معارض للكتاب الأمازيغي، إذ روعي في هذه السنة أهمية المقروئية باللغة الأمازيغية.
وتستعرض بالمناسبة، عدة جمعيات مشاركة هذه السنة، في هذه الفعاليات التي تجرى هذه السنة، على وقع المكتسبات التي عززت تواجد اللغة الأمازيغية وترقيتها إلى لغة وطنية، بعد دسترها بقرار تاريخي وشجاع، معارضا للألبسة والأواني التقليدية وكل ما له علاقة بتقاليد المنطقة، حيث خصصت أجنحة للباس الأوراسي بين الأصالة والمعاصرة، إلى جانب الصور الفوتوغرافية حول التاريخ والحضارة الأمازيغية والحلي التقليدية الأمازيغية، والمعالم التاريخية، التي تزخر بها المنطقة. كما برمجت حفلات من تنشيط فرق فلكلورية، ومطربي المنطقة، إضافة إلى ندوات صحفية وقراءات شعرية لشعراء المنطقة بالشاوية.
أكد المنظمون، أن البرنامج سيكون شاملا لخصوصيات الحضارة الأمازيغية والمدرسة الجزائرية والهوية الوطنية بين الأصالة والمعاصرة. وهي أهداف تصب في مساعي التعريف بالمنتوج الثقافي الأمازيغي بكل تنوعه، وكل ما له علاقة بالتاريخ، الحضارة والثقافة الأمازيغية، وفسح المجال لتشجيع الاحتكاك والتقارب لكل الكفاءات الناشطة في مجال البحث والدراسة المتعلق بالأمازيغية في جميع أنحاء العالم. وتثمين الجهود المبذولة من أجل تعميم اللغة الأمازيغية عبر مختلف المؤسسات التربوية عبر الوطن، كونها تصب في مسار تطويرها والمحافظة على هذا التراث الثقافي الوطني وتوسيع دائرة تدريسها عبر كل ولايات الوطن، وتجسيد بعدها الوطني، كما هو منصوص عليه في الدستور، والاهتمام أكثر بالعمل الجامعي وتوسيع استعمالها في المحيط الجامعي.
إلى جانب ترسيخ عادات وتقاليد المنطقة، فضلا عن كون المناسبة تشكل فرصة للشباب، للاطلاع على نماذج وكيفية الاحتفال بهذه المناسبة. إلى جانب أهمية الدلالات الرمزية التي سيبرزها المنظمون، والتي تكتسيها تقاليد رأس السنة الأمازيغية، حيث ستقدم تقديم أكلات شعبية تقليدية في هذه المناسبة.