الجزائر تستحـر اندلاع الثورة في ظلّ تمسّكها بالدفاع عن قضايا التحرّر

دبلوماسية رائدة وثّقت عدالة القضايا في المحافل الدولية

دبلوماسية رائدة وثّقت عدالة القضايا في المحافل الدولية
  • 80
مليكة. خ مليكة. خ

❊ إعادة إحياء صورة الجزائر على الساحة الدولية

❊ نموذج حي في احترام القيم الإنسانية

 ❊ دور طلائعي  في تسوية الأزمات الدولية

تستحضر الجزائر الذكرى الـ 70 لاندلاع الثورة التحريرية المظفّرة في ظلّ وفائها للدفاع المستميت عن ما تبقى من قضايا التحرّر في العالم، وعلى رأسها القضيتان الفلسطينية والصحراوية، التزاما بما نصّ عليه بيان أوّل نوفمبر الداعم للحركات التحررية، فضلا عن المكانة الدبلوماسية المتميّزة التي باتت تحظى بها بلادنا على المستوى الدولي بفضل مرافعاتها من أجل الارتقاء بالقيم العالمية في ضوء الأوضاع الإقليمية والدولية الصعبة.

يشكّل الفاتح من نوفمبر شعلة وثّقت تاريخ الجزائر وكرّست إنجازات ونضال شعب أبى إلا أن يتخلّص من براثن المستعمر، حيث لعبت فيه الدبلوماسية الجزائرية دورا محوريا، مكّنها من تدويل القضية عبر المحافل الدولية لإسماع صوت الثورة في إطار مبادئ ثابتة تكرّس حق الشعوب في تقرير المصير، لتتمسّك بنفس النهج حتى بعد الاستقلال من خلال لعب دور طلائعي في تسوية الأزمات الدولية .
فقد كان للنشاط الدبلوماسي إبان الثورة التحريرية دور هام ورئيسي في القضاء على أسطورة "الجزائر فرنسية" واستعادة السيادة الوطنية، بفضل التحرّكات الحثيثة لأعضاء جبهة التحرير الوطني الذين أبوا إلاّ أن يحقّقوا الهدف المنشود عبر ثورة شاملة مسّت جميع الجبهات العسكرية، الدبلوماسية والإعلامية.

 ومازالت الجزائر تعطي النموذج الحيّ في احترام القيم الإنسانية والدفاع عن حقوق الشعوب، حيث أنّها تواكب إفرازات المرحلة الراهنة وفق رؤية متوازنة تخدم مصالحها من جهة وتحافظ على ثوابت سياستها الخارجية من جهة أخرى، ما عزّز مصداقيتها وأكسبها مكانة على مستوى المحافل الدولية، لتكون بذلك من الدول القلائل في العالم التي مازالت تتمسّك بثوابتها الدبلوماسية، رغم الظروف المعقّدة التي أفرزها النظام العالمي الجديد.
ولا يختلف اثنان على أنّ الدبلوماسية الجزائرية بقيادة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون تحظى اليوم باحترام المجتمع الدولي بفضل خبرتها وسمعتها وصورتها المتألّقة بالنظر لوفائها الثابت بالتزاماتها خارج إطار الظرفيات والمواقف المتهافتة، لاسيما في دعم القضايا العادلة في العالم، والمبادرة بمقاربات لحلحلة مختلف الأزمات والتسوية السلمية للنزاعات في المحيط الإقليمي والدولي.

فقد عرفت الساحة الدبلوماسية الجزائرية تحوّلا جديدا في عهد الرئيس تبون الذي أكّد حرصه على إعادة إحياء صورة الجزائر على الساحة الدولية من خلال إعادة تفعيل سياستها الخارجية، وهو ما تجلى في الزيارات واللقاءات التي قام بها مسؤولون من مختلف دول العالم بهدف تعزيز العلاقات الدبلوماسية، بعد أن غابت الجزائر عن الخط الدبلوماسي لسنوات. وكان الرئيس تبون قد أكّد في العديد من المناسبات على أنّ مصداقية ونزاهة الدبلوماسية الجزائرية يخولانها لأن تلعب دور الوسيط في حلّ مختلف الأزمات والقضايا الإقليمية والدولية.

 كما استقبل الرئيس تبون بالجزائر العاصمة وفودا رئاسية ووزارية عديدة، وهو ما أبرز المكانة التي تتمتّع بها الجزائر على الساحة الدولية ودورها المحوري في المساهمة في الأمن والاستقرار في المنطقة وفي حوض البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا وخارجها، كما تُوِّجت هذه الزيارات بإبرام اتفاقيات شملت مجالات تعاون مختلفة، من شأنها أن تسمح بتوسيع التعاون الاقتصادي بين الجزائر ومختلف البلدان.
 من هذا المنطلق، يجمع متتبعون على الانجازات النوعية التي حقّقتها الدبلوماسية الجزائرية على المستويات الإقليمية والدولية، مثرية بذلك رصيدها الحافل بالعديد من الانتصارات والمكاسب منذ سنوات السبعينيات، والتي تتمثّل أبرزها في انتخابها عضوا غير دائم في مجلس الأمن لمدة سنتين بدءا من الفاتح جانفي 2024، على إثر تصويت 193 دولة عضو في الأمم المتحدة. ويمثّل هذا الانتخاب بمثابة تقدير للدور المحوري للجزائر والاحترام الذي يحظى به رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون من قبل المجتمع الدولي، عرفانا لمساهمته في إحلال السلم والأمن الدوليين.

ورغم ثقل مسؤولية الجزائر في المساهمة في مسار صنع القرار الدولي، إلاّ أنّ دبلوماسيتها أبلت البلاء الحسن على مستوى مجلس الأمن بدفاعها عن القضية الفلسطينية التي أعادتها إلى الواجهة، بعد أن أريد لها أن تكون في طيّ النسيان، حيث تزامن توليها المنصب، لحسن الحظ، مع الأوضاع الخطيرة التي تعيشها فلسطين في ظلّ استمرار الإبادة الوحشية للكيان الصهيوني في قطاع غزة.
وعليه، لم تدخر الجزائر جهدا في المطالبة بعقد جلسات على مستوى مجلس الأمن للمطالبة بوقف العدوان المستمر على أهل القطاع، من خلال إلزام اسرائيل باحترام وقف إطلاق النار والدعوة إلى تسهيل إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة في ظلّ إصرار الكيان الصهيوني على تجويع الشعب الفلسطيني، موازاة مع جهودها الناجحة التي قادتها باسم المجموعة العربية لحصول فلسطين على عضوية كاملة بالأمم المتحدة، حيث اعتمدت الجمعية العامة الأممية يوم 10 ماي الماضي، قرارا يدعم طلب فلسطين للحصول على عضوية كاملة بالأمم المتحدة بأغلبية 143 صوت.

ورغم أنّ الأوضاع المأساوية بغزة قد استأثرت على جهود بلادنا في مجلس الأمن، باعتبارها قضية الساعة، إلاّ أنّ الجزائر لم تأل جهدا في العمل على تعزيز السلم والأمن الدوليين، وتنشيط العمل متعدّد الأطراف المتجدّد مع تقوية الشراكات الرئيسية، فضلا عن تقوية مبادئ وقيم عدم الانحياز ومواصلة الجهود لمكافحة الإرهاب، إلى جانب العمل على إسماع صوت الدول العربية والإفريقية والدفاع عن المصالح الاستراتيجية المشتركة في مختلف القضايا التي تندرج ضمن اختصاصات مجلس الأمن.
 وجاء تولي الجزائر منصبا غير دائم بمجلس الأمن، بعد أشهر فقط من رئاستها لقمة جامعة الدول العربية، ركّزت خلالها على تعزيز العمل المشترك وتحقيق وحدة الصف، وكان أبرز ثمارها عودة سوريا إلى الجامعة العربية بعد جهود حثيثة سابقة قامت بها من أجل تحقيق الإجماع العربي حول هذه المسألة .
 ويحمل اختيار الجزائر لانعقاد القمة العربية بتاريخ الفاتح من نوفمبر من عام 2022، المصادف لاندلاع الثورة التحريرية، دلالات نابعة من مبادئها الثابتة التي عبّر عنها بيان أوّل نوفمبر1954 والمتعلّقة بحقّ الشعوب المضطهدة في تقرير مصيرها.

وعملت الجزائر على جعل الاجتماع العربي الكبير مناسبة جديدة من أجل التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية ومواصلة الدفاع عنها، لكون هذه القضية تعدّ بالنسبة للجزائر أم القضايا عبر كلّ الأزمنة، ووفت بوعدها من خلال مواصلة نضالها الدبلوماسي على مستوى مجلس الأمن.
وامتدت جهود الجزائر إلى الفضاء الإفريقي من خلال نجاحها في تعليق تواجد الكيان الصهيوني ضمن مؤسّسات الاتحاد الإفريقي بصفة عضو مراقب، خلال اجتماع لرؤساء الاتحاد بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا، حيث فشل أصدقاء إسرائيل في افريقيا وفي مقدّمتهم نظام المخزن، في تثبيت قرار إداري اعترته أخطاء إجرائية وقانونية.
كما أولت الدبلوماسية الجزائرية أهمية خاصة لإفريقيا، من خلال تعزيز وجودها وتأثيرها في منطقتي الساحل والمغرب العربي ودول الجوار على غرار ليبيا التي تتمسّك بعدم الدخول في شؤونها الداخلية مع ضرورة تنظيم الانتخابات كشرط أساسي لعودة الاستقرار، فالجزائر تبنّت سياسة خارجية اتّسمت بالواقعية، عبر دبلوماسية تحكمها المبادئ والأهداف الواردة في مختلف المواثيق والدساتير الوطنية الجزائرية، وأهمها مبدأ عدم التدخّل في الشأن الداخلي للدول، والتي تعدّ في مجملها امتدادا لمبادئ ثورة نوفمبر 1954.

ومنحت الدبلوماسية الجزائرية أيضا، أهمية لترقية حركيات التعاون والشراكة والاندماج في كلّ التجمّعات التي تنتمي إليها، إلى جانب تقييم العلاقات مع الشركاء الاستراتيجيين للجزائر لجعلها قوّة توازن.
 وبما أنّ السياسة الخارجية الحالية للجزائر، تأثّرت بالأوضاع الناتجة عن تطوّرات النسق الدولي المتوتّر، فقد عملت على رسم معالم الصورة الاستراتيجية لهذا النسق، لمواكبة التغيّرات والتقلبات التي تفرضها البيئة الإقليمية والدولية، خاصة مع ارتفاع أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية بسبب هذه الأزمة، ما جعلها تلعب دورا كبيرا في انتعاش الحركية الاقتصادية باعتبارها دولة نفطية . وانطلاقا من هذه الرؤية، قام رئيس الجمهورية بسلسلة من الزيارات إلى الخارج، شملت عواصم عربية وإسلامية وغربية، كانت آخرها مصر وسلطنة عمان، من أجل بعث مجالات التعاون الثنائي وتعزيز الشراكة واستعراض المستجدات التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط.

فالجزائر تسعى من خلال هذه الزيارات المتبادلة، لإضفاء البعد الاستراتيجي على علاقاتها الحيوية، فضلا عن رسم معالم جديدة تتماشى والأولويات السياسية والاقتصادية للبلاد، في ظلّ ظرف دولي حسّاس.
كما يمكن إدراج التحركات الدولية للجزائر، ضمن سياق فرضته خيارات اقتصادية بالنسبة للجزائر، قصد التخلّص من تبعية اقتصاد النفط والتوجّه نحو اقتصاد متوازن، ما جعلها توجّه البوصلة نحو دول أكثر تجربة في مجال اقتصاد المعرفة والمؤسّسات الناشئة وإرساء نسيج صناعي من المؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة والبحث عن دول مرافقة للجزائر في هذه المجالات، تتّسم علاقاتها معها بالندية خدمة للمصالح المشتركة.