رغم التداعيات السلبية لجائحة “كوفيد19”

سنة التضامن والتكافل

سنة التضامن والتكافل
  • 1101
رشيدة بلال رشيدة بلال

أثبت تفشي وباء كورونا في الجزائر، الطابع التضامني للشعب مع بعضه البعض، هذه الصفة التي لا تعتبر جديدة عليه، وهو ما يعكسه تاريخه الحافل بمبادرات خيرية فردية وجماعية في مختلف الأزمات والكوارث الطبيعية، ولعل ما حمله الفيروس التاجي من مآس وتأثيرات سلبية على جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، يؤكد أن 2020 سنة التضامن والتكافل الاجتماعي أمام تحدي الوباء.

دفعت الجائحة إلى الانخراط بصورة تلقائية في العمل التطوعي، وهو ما عكسته المبادرات الفردية التي أطلقت بالأحياء والبلديات والولايات، من خلال وضع أرقام الهواتف والسيارات لتلبية خدمات  المحتاجين إلى الأغذية أو الأدوية، أو التنقل من وإلى المصالح الاستشفائية، خاصة بعد إصدار تدابير الحجر الصحي، التي تعذر بموجبها على عدد كبير من أرباب الأسر، تلبية احتياجاتهم، لاسيما كبار السن منهم.

الهبة التضامنية التي عرفها المجتمع الجزائري لم يكن مخططا لها، إنما تمت بصورة تلقائية، لتعمم بدافع التقليد والرغبة في تقديم خدمات تطوعية من باب التضامن والتآزر المجتمعي، حيث اختار الكثيرون منصات التواصل الاجتماعي لإطلاق حملات مختلفة، تباينت بين جمع المواد الغذائية، خاصة للعائلات التي تضررت اقتصاديا بعد التوقف عن العمل، حيث كان تصلها مجموعة من المواد الغذائية الأساسية إلى باب منزلها، وحملات أخرى لتلبية بعض الاحتياجات الخاصة بالتزود بالأدوية، لاسيما بالنسبة لمن  منعوا من مغادرة المنازل، خوفا من احتمال الإصابة بالعدوى، كالمصابين بالأمراض المزمنة وكبار السن.

توزيع الكمامات والمعقمات يصنع الحدث

من أكثر الحملات التضامنية التي كان صداها كبيرا في المجتمع الجزائري، بعد إقحام لجان الأحياء في العمليات التضامنية، استجابة لنداء الحكومة الرامي إلى الاعتماد على هذه اللجان، لتغطية احتياجات كل العائلات بعد أن اشتدت الأزمة، على اعتبار أنها من المتطوعين الأدرى بكل سكان الأحياء واحتياجاتهم، حيث تم تعيين ممثلين للأحياء، انخرط فيها عدد كبير من الشباب للإشراف على العمليات التضامنية، بالتنسيق مع الجمعيات، لتوفير كل المستلزمات الضرورية سواء ما تعلق منها بالطبية كتوفير الأدوية، أو الغذائية، وحتى الوقائية الممثلة في المعقمات والكمامات.

في هذا الصدد، على سبيل المثال، نذكر المساهمات المتكررة لجمعية “ضوء القمر”، التي كانت ولا زالت تعد الكمامات وتوزع المعقمات وتلبي احتياجات العائلات الفقيرة، بما يلزمها بالتنسيق والتعاون مع لجان الأحياء، الذين أخذوا على عاتقهم مهمة إيصال المستلزمات إلى محل إقامتهم، وفي أجندتها توزيع أزيد من 2000 كمامة، شأنها شأن جمعية “المرأة والطفل والأسرة” التي بادرت   بإمكانياتها الخاصة إلى صناعة كمامات وتوزيعها بالمجان، لحمل المواطنين على التقيد بتدابير الوقاية، والأكاديمية الرياضية “شباب رويسو” التي وزعت في آخر حملة لها وتزامنت مع الدخول المدرسي، أزيد من 4500 كمامة ومعقم، والكشافة الإسلامية الجزائرية التي جندت عبر أفواجها بمختلف ربوع الوطن، للمساهمة في مختلف العمليات التضامنية، كتوزيع الطرود الغذائية وأدوات التعقيم وتلبية احتياجات السكان خلال فترات الحجر الصحي، ووزعت آلاف الكمامات، ولا زالت العمليات مستمرة من خلال المشاركة في عدد من الحملات التي تنظمها الجمعيات ولجان الأحياء لمواجهة الوباء.

التحسيس في صميم العمل التضامني 

أخذت لجان الأحياء، بالتنسيق مع حركات المجتمع المدني، على عاتقها مهمة التوعية والتحسيس بكيفية انتقال الفيروس، خاصة في الأيام الأولى من انتشاره، حيث سعت من خلال الخروج في مبادرات فردية إلى الشوارع، إلى تقديم النصائح والتوجيهات للحد من انتقال الفيروس، وتوزيع مطويات ومعدات التعقيم، وأكثر من هذا، أقدم العديد من شباب الأحياء على الانخراط في لجان الأحياء للمساهمة في تعقيم أحيائهم السكنية، حيث تم استهداف المؤسسات التربوية، الأسواق ومراكز البريد والشوارع، بما في ذلك المساعدة في تعقيم المساجد، بعد إعادة فتحها وتوعية المواطنين بأهمية التقيد بالتدابير الوقائية، خاصة ما تعلق منها بوضع الكمامة. وقدمت بالمناسبة، مختلف الأحياء صورا مختلفة لعمليات تعقيم شملت عددا من المرافق الحيوية.

تسهيلات للجمعيات وتضاعف العمل التطوعي

دفعت الهبة التضامنية وارتقاء الشعور والحس بالمسؤولية في صفوف المتطوعين، الذين رافقوا السلطات المحلية في كل نشاطاتها الخيرية لمجابهة فيروس “كورونا”، إلى إسداء تعليمات بفتح المجال لتسجيل الجمعيات ذات الطابع التضامني الخيري وتصنيفها، في إطار تثمين العمل التطوعي وإرساء تفاعل جديد بين الإدارة والمجتمع، الأمر الذي انعكس على أرض الواقع، حيث مست العمليات التضامنية كل العائلات المحتاجة، بعد أن ارتفع عددها بمختلف البلديات عبر كامل ربوع الوطن، حيث ساهمت في  فك عزلة المناطق المحرومة والتكفل بتلبية كافة احتياجاتها الغذائية منها والطبية والوقائية، بما في ذلك الإشراف على عمليات توعية شاملة، وبذلك، أثبتت الجمعيات ولجان الأحياء قدرتها، بعد التجربة التي اكتسبتها بفعل الوباء، على تسيير الأزمات وحماية الأرواح.