الجزائر تحقّق إنجازات دبلوماسية نوعية بمبدأ الندية والاستباقية

صوت الحق وشريك جيو- استراتيجي

صوت الحق وشريك  جيو- استراتيجي
  • القراءات: 303 مرات
 مليكة. خ مليكة. خ

❊ بروز تاريخي كفاعل قويّ في حلّ الأزمات 

❊ أهمية خاصة لإفريقيا وتعزيز التأثير في منطقتي الساحل والمغرب العربي

❊ دعم قويّ ودائم للقضية الفلسطينية غير القابلة للتصرّف أو التقادم

تزامن  الاحتفاء بذكرى استرجاع السيادة الوطنية  هذه السنة مع الإنجازات الدبلوماسية النوعية التي حقّقتها الجزائر على المستويين الإقليمي والدولي، بفضل الاعتماد على نهج الندية والاستباقية المرتكز على الدفاع عن المصالح العليا للجزائر، في  إطار المبادئ المستلهمة من بيان أول نوفمبر، مع الحفاظ على التوجّهات الكبرى وأولويات السياسة الخارجية للبلاد، ما جعلها تحظى باحترام كبير في محيطها الإقليمي.
لفتت مشاركة الجزائر خلال أشغال قمة مجموعة الدول السبع الكبار المصنّعين في العالم التي انعقدت منتصف الشهر الماضي بباري الإيطالية، كضيف شرف انتباه المتابعين، الذين يعتبرونها بمثابة الشريك الجيو-استراتيجي الذي يُراهَن عليه في إرساء شراكات ناجعة في إفريقيا ومواجهة التحديات المشتركة.
وعكست هذه المشاركة المميّزة التي حظيت بها الجزائر لأوّل مرة في تاريخها، الخطوات العملاقة التي خطتها خلال السنوات الأخيرة من أجل تطوير اقتصادها وتحسين أداء كافة القطاعات مع التأسيس لاقتصاد قويّ ومتنوّع بعيد عن ريع المحروقات، ما جعلها شريكا استراتيجيا موثوقا لدى كبار المصنّعين، بفضل السياسة الدبلوماسية التي رسم رئيس الجمهورية معالمها منذ توليه قيادة البلاد والمبادئ التي تتبناها هذه السياسة في البروز كفاعل قويّ في حلّ الأزمات والجهود المضنية في سبيل بسط السلم والأمن الدوليين.

نشاطات رئيس الجمهورية ترسّخ مصداقية الجزائر دوليا

 كما رسّخت هذه المشاركة المصداقية الكبيرة التي باتت تحظى بها الجزائر دوليا، والتي عزّزتها نوعية نشاطات الرئيس تبون ولقاءاته المميّزة مع قادة كبرى دول العالم وحضوره البارز ضمن الفعاليات العالمية.
 وتميّزت هذه المشاركة بنشاط مكثّف أجرى خلاله رئيس الجمهورية لقاءات ومحادثات جمعته بعدد من قادة دول العالم ورؤساء عدّة دول صديقة وشقيقة وكذا مسؤولي منظمات دولية وإقليمية وقارية، ليتناغم هذا الموقف مع عقيدة الدبلوماسية الجزائرية التي ظلّت دوما حاملة لصوت البلدان المستضعفة وتلك التي ترزح تحت نير وطغيان الاستعمار، رافعة رايتها ومدافعة عنها في المحافل والمنابر الدولية.
ولم يتردّد الرئيس تبون في كلّ محطة دولية يقف عندها، في تأكيد توجّهات السياسة الخارجية للبلاد منذ انتخابه على رأس البلاد، والمبنية على الانضمام لتجمّعات إقليمية جديدة ضمن الأولويات الراهنة، حيث كانت زيارتيه إلى الصين وروسيا العام الماضي، بمثابة تقوية للشراكات التقليدية في اطار نظام دولي يتميّز بالتحالفات الإقليمية.
كما أنّ تقوية الشراكات التقليدية لا يعني تخلي الجزائر عن  بقية الشركاء في إطار تمسّكها بنهج التعدّد والتنوّع في مجالات التعاون مع مختلف الدول الصديقة والتكتّلات الدولية الأخرى، على غرار الاتحاد الأوروبي الذي يبقى في النهاية السوق الأولى للغاز والنفط الجزائري.
فقد استطاعت الجزائر مساعدة أوروبا في تقليص اعتمادها الكلي على الغاز الروسي، كما حوّلت الجزائر إيطاليا إلى منصة لاستيراد الغاز الجزائري ومن ثم ضخّه للعديد من الدول الأوروبية، رغم عدم ارتياح الجزائر لشروط الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، ما يعني أنّ توجّهها شرقا لا يتناقض مع العلاقات القوية الاقتصادية  التي تربطها مع الغرب.

السياسة الخارجية في خدمة المصالح العليا للدولة

يأتي ذلك في الوقت الذي التزم فيه الرئيس تبون بأن يكون للسياسة الخارجية للبلاد، الدور الفاعل لخدمة المصالح العليا للدولة، خاصة في ظلّ هشاشة الوضع في دول الجوار، ما جعل صون الأمن الوطني من المسائل التي حظيت بالإجماع لدى الرأي العام الوطني، فضلا عن دعم القضايا العادلة في العالم والمسائل المتعلّقة بالجوار الإقليمي المباشر وما له من علاقة مباشرة في صدّ التهديدات الأمنية في المنطقة.
ولعلّ ذلك ما جعله يفكّر في بدائل إقليمية جديدة للعمل الجماعي، على غرار القمة الثلاثية التي جمعت الجزائر، تونس  وليبيا  في ظلّ جمود مؤسّسة الاتحاد المغاربي، والتي ستعقد دوريا بين الدول الثلاث، لمواكبة المتغيّرات الإقليمية الراهنة، موازاة مع إيلاء الجزائر أهمية خاصة لإفريقيا وتعزيز وجودها وتأثيرها في منطقتي الساحل والمغرب العربي، وكذا ترقية حركيات التعاون والشراكة والاندماج في كلّ التجمعات التي تنتمي إليها.
وعملت الجزائر موازاة مع ذلك على هيكلة العلاقات الخارجية وتقييم تلك التي تربط الجزائر بالشركاء الاستراتيجيين لجعلها قوّة توازن، عبر الأخذ بعين الاعتبار المعطيات البراغماتية والحفاظ على مصالح البلاد، في التعاملات مع الشركاء الأجانب ضمن مقاربة “رابح – رابح”، في الوقت الذي كانت ومازالت فيه الدبلوماسية الجزائرية تفضل الفعالية على السجال.
ولا تتردّد الجزائر في لعب دور في مسار تسوية العديد من النزاعات الجهوية، حيث أكّد الرئيس تبون في الكثير من المناسبات، على أنّ مصداقية ونزاهة الدبلوماسية الجزائرية يخولانها لأن تلعب دور الوسيط في حلّ مختلف الأزمات والقضايا الإقليمية والدولية.
ويكفي أن نستدل في هذا الصدد بالجهود الجبارة التي تقوم بها الجزائر على مستوى مجلس الأمن منذ مباشرة مهمتها كعضو غير دائم على مستوى هذا المحفل الأممي لمدة عامين، محدّدة أولوياتها في تعزيز التسويات السلمية للأزمات وعلى رأسها القضيتين الفلسطينية والصحراوية، توطيد الشراكات، ودعم دور المنظّمات الإقليمية، ترقية مكانة المرأة والشباب في عمليات السلام وتعزيز فعالية النضال الدولي ضد الإرهاب، فضلا عن إصلاح مجلس الأمن.
فقد لعبت الجزائر في هذا الصدد، دون كلل وملل، دورا مؤثّرا في اعتماد قرار وقف إطلاق النار بغزة شهر مارس الماضي، فضلا عن جهودها لدعم فلسطين وتعزيز حضورها وتطوير مكانتها الدولية من عضو مراقب إلى العضوية الكاملة، بفضل تصويت 12 دولة لصالح القرار الذي تقدّمت به بلادنا لمجلس الأمن، ما يعدّ انتصارا عظيما للقضية الفلسطينية.
وأمام الاعتداءات الوحشية التي يشهدها قطاع غزة لم تتوقّف الجزائر في الإعلان عن مواقفها الرافضة للصمت الدولي المطبّق إزاء الإبادة الجماعية التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني، داعية إلى فضح ازدواجية المعايير في تعامل المجتمع الدولي مع القضية الفلسطينية.كما تؤكّد الدبلوماسية الجزائرية دعمها القويّ والدائم للقضية ولحق الشعب الفلسطيني الشقيق غير القابل للتصرّف أو السقوط، بالتقادم في إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، متأسّفة للهرولة نحو التطبيع، انطلاقا من قناعتها بأنّ القضية تبقى وستبقى عقيدة متأصّلة في سياستها الخارجية.
 يأتي ذلك في الوقت الذي يرفض فيه الرئيس تبون إلصاق تهمة الإرهاب بنضال الشعب الفلسطيني، حيث لم يتردّد في دعوة أحرار العالم والعرب والهيئات الدولية إلى رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية والمنظمات الحقوقية الدولية ضدّ انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني.
ولا تزال الجزائر تتمسّك بموقفها الثابت إزاء الصحراء الغربية وفقا للشرعية الدولية وطبقا لقرارات الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ذات الصلة، حيث تحرص على العودة إلى المفاوضات المباشرة بحسن نية، وبدون شروط مسبقة بين طرفي النزاع المغرب وجبهة البوليزاريو، لإنهاء نزاع طال أمده وتمكين الشعب الصحراوي من التعبير بحرية عن إرادته.
وفي ما يتعلّق بدول الاتحاد الإفريقي، فقد عملت الجزائر على تفعيل طلب زيادة عدد مقاعد الدول الإفريقية غير الدائمة ضمن هذه الهيئة، برفعه من ثلاثة إلى خمسة، وفقا لما ورد في “توافق إيزولويني” و«إعلان سرت”، حيث تراهن الجزائر في هذا الصدد  على توحيد إفريقيا من أجل مناصرة أفضل لقضايا القارة ذات الأولوية وتطلّعاتها المشروعة.
 وكان الرئيس تبون قد أكّد في العديد من المناسبات، لاسيما خلال اجتماع لجنة العشرة للاتحاد الإفريقي المعنية بإصلاح مجلس الأمن الأممي، المنعقد في شهر فيفري الماضي بأديس أبابا، مواصلة العمل دون هوادة من أجل إعلاء صوت القارة ومطالبها المشروعة ولمعالجة الظلم التاريخي الذي تعرضت له القارة الإفريقية.
وقد احتضنت الجزائر الشهر الماضي أشغال الاجتماع الوزاري الـ11 للجنة رؤساء الدول والحكومات العشرة للاتحاد الإفريقي لإصلاح مجلس الأمن للأمم المتحدة، حيث أكّدت بلادنا من خلاله التزامها جنبا إلى جنب مع لجنة العشرة،  بمواصلة العمل في عملية إصلاح مجلس الأمن الجارية وتقويم الغبن التاريخي الذي عانت منه إفريقيا والتأكّد من أنّ المجلس يتمتّع بمزيد من الشرعية ويستجيب بفعالية لتحديات السلام والأمن المتزايدة.

مكاسب نوعية في مجلس الأمن

 وبرسم ولايتها في مجلس الأمن، ستدعو الجزائر أيضا إلى إصلاح هذا الجهاز، باعتبار هذه العملية ضرورية لإقامة نظام دولي أكثر تمثيلا وعدلا وتوازنا، انطلاقا من أنّ السياق الدولي الحالي، الذي يتّسم بالأزمات المتعدّدة والتغيّرات الجيوسياسية، فضلا عن التهديدات متعدّدة الأبعاد والأوجه التي تواجهها القارة الإفريقية، مثل الإرهاب والحروب وتغيّر المناخ وأزمات الصحة والطاقة والغذاء، تؤكد أهمية هذا الإصلاح.
ولابدّ من التذكير بالمكاسب النوعية التي حقّقتها الجزائر خلال العهدة الأخيرة للرئيس تبون والتي تمثّلت في انتخابها شهر سبتمبر الماضي في فيينا بالإجماع من طرف الدورة الـ67 للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية كعضو في مجلس محافظي الوكالة للفترة الممتدة من 2023 إلى 2025.
كما أعيد انتخابها أيضا في نهاية نوفمبر المنصرم من طرف الدورة الـ28 لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية بالإجماع في المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية عن منطقة إفريقيا لعهدة مدتها سنتين ابتداء من 12 ماي 2024.
ويعدّ هذان الانتخابان بمثابة تجديد للثقة في دور الجزائر الإيجابي في مجال نزع السلاح الكيميائي والتزامها بتحقيق أهداف اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية.
علاوة على ذلك، تم انتخاب الجزائر لرئاسة لجنة تعزيز التعاون والمساعدة في اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد لسنة 2024 خلفا لتايلاندا، اعترافا بدورها الريادي وتجربتها في مكافحة الألغام المضادة للأفراد والتي تعود إلى الثورة التحريرية وكذا مساهمتها الفعّالة في تحقيق الاهداف الإنسانية للاتفاقية.
وتضاف هذه الانتخابات إلى الانجازات السابقة التي حقّقتها الجزائر الجديدة لاسيما انتخابها عضوا في مجلس حقوق الإنسان وعضوا غير دائم في مجلس الأمن الأممي.
كما يؤكّد هذا النجاح الدبلوماسي، عودة الجزائر الجديدة إلى الساحة الدولية وفق رؤية ونهج رئيس الجمهورية للحفاظ على السلم والأمن في العالم، على أساس التعايش السلمي والتسوية السلمية للنزاعات وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول في إطار السياسة الخارجية للبلاد التي تستمد مبادئها وقيمها ومثلها من الثورة التحريرية المجيدة.