حصن للذاكرة الجماعية
متحف الإذاعة: تراث في متناول الأجيال
- 1612
يختزن متحف الإذاعة الجزائرية ذاكرة أجيال مرت على هذه المؤسسة عبر عقود، وسجلت بكلمات من ذهب عبقرية إعلاميين وفنانين وتقنيين كان لهم السبق في التأسيس لمشهد أثيري تربت على سماعه أجيال وترعرعت ذكريات لا تزال مطلوبة إلى اليوم من الجمهور الجزائري.
هذا المتحف الذي جالت به "المساء"يحفظ تراث الإذاعة الوطنية المادي منه والمسموع، يتم به استقبال الجمهور يوميا وتقديم كل ما خص هذا التراث المسموع.
زارت "المساء" مقر متحف الإذاعة الجزائرية بشارع أحمد زبانا، حيث التقت بالسيدة فايزة بورزق المسؤولة عن هذا الصرح الهام والتي تعتبر من أبناء الإذاعة، حيث اشتغلت كصحفية ومذيعة ومعدة برامج لسنوات طويلة وبالتالي يربطها الحنين هي أيضا بسالف الأيام التي عاشتها عبر الأثير.
أشارت المسؤولة إلى أن المتحف تم افتتاحه منذ سنة وصنف كمتحف تاريخي خاص بذاكرة الإذاعة.
بالنسبة للإذاعة الجزائرية فقد نشأت في ظروف استثنائية إبان الثورة التحريرية سنة 1956 حينها ظهر لأول مرة "صوت الجزائر المكافحة يحدثكم من قلب الجزائر" كهدية للشعب الجزائري المكافح وبدأت قصة المذيع الفذ عيسى مسعودي الذي زاد الثورة لهبا.
هكذا ارتبط المتحف في جانب كبير من محتوياته بتاريخ الثورة التحريرية ابتداء من مؤتمر الصومام والذي تقرر إثره وباقتراح من بوصوف ومن بن مهيدي إطلاق هذه الإذاعة بكفاءات جزائرية مكونة من الطلبة لتتأسس في 16 ديسمبر سنة 1956.
مرافقة ممنهجة عبر مسار الذاكرة
يشهد المتحف إقبالا يوميا من طرف الجمهور في زيارات جماعية ومنظمة وتقدم له التفسيرات من مختصين يرافقون الزوار عبر الأجنحة.
وفي هذا تؤكد السيدة فايزة أيضا على أهمية مكتبة المتحف والتي تستقطب الباحثين وطلبة الجامعات خاصة من طلبة كلية الإعلام والاتصال والذين يستغلون ما توفر من مصادر مكتوبة أو مسموعة أو وثائق أو غيرها من برامج الأغاني القديمة أو ببرامج فترة السبعينيات وقالت "مؤخرا جاءتنا طالبة من جامعة مستغانم لتحضير دكتوراه خاصة بالبرامج الحوارية الإذاعية بالقناة الثالثة، كما تم استغلال فضاء شاغر لفائدة الطلبة للمراجعة الجماعية ويشهد اكتظاظا كبيرا من أبناء الحي والأحياء المجاورة"، وأشارت السيدة فايزة أيضا إلى أن الإقبال من طرف الباحثين يسجل من جامعات ومعاهد كثيرة من ورقلة ومستغانم ووهران وغيرها.
من جهة أخرى، يستقبل المتحف كل المواطنين الذين يقدمون هبات تتعلق بهذه الذاكرة وهنا تشير المتحدثة إلى أنه تم مؤخرا استقبال زوجة عضو سابق بمنظمة "المالغ" عمل في الراديو، حيث تبرعت بوثائق وصور هامة يعمل المتحف على تصنيفها، كذلك الحال بالنسبة للفنانين الكبار الذين يقدمون صورا قديمة لتضاف إلى رصيد المتحف لكي يطلع عليها الجمهور الواسع، وعموما فإن عمليات التبرع متواصلة خاصة من الناس العاديين الذين يملكون حسا راقيا ووعيا بضرورة تقديم هذه الذاكرة التي هي ملك لكل الجزائريين.
الجمهور متجاوب ويرجع في كل مرة
أكدت السيدة فايزة بورزق أن الجمهور الجزائري يقبل على هذا المتحف ليكتشف ذاكرة ارتبط بها يوما أو شباب باحث عن أيام لم يعشها بل أيضا هناك أجانب اكتشفوا الكثير من خلال هذا المتحف (ما يقارب الـ100 زائر يوميا) وهنا تستشهد بزائر مصري فتقول: "جاءنا زائر مصري يريد الاستماع إلى أغان جزائرية قديمة تماما كما يفعل غالبية الجمهور وهنا اكتشف كل طبوع الغناء الجزائري وما فيها من ألوان فنية متنوعة فاندهش لذلك وعبّر عن إعجابه بهذا الفن الراقي والغني الذي لم يكن يعرف عنه الكثير".
هناك أيضا فنانات جزائريات شابات يزرن المتحف بغرض الاستماع إلى أغان قديمة ومن ثم إعادة غنائها، وحتى الأطفال لهم نصيبهم وغالبا ما يطلبون حصص أطفال قديمة منها "حديقتي الساحرة"، علما أن عدة مدارس من العاصمة ومن ولايات الجنوب تنظم زيارات للمتحف. من بين الجمهور الواسع عمال الإذاعة الوطنية ومختلف القنوات وأغلبهم من المتقاعدين وتعلق مسؤولة المتحف "إنهم يأتون ويمكثون وكأنهم يأبون المغادرة فهم يستسلمون لذكرياتهم ولما عاشوه عبر عقود من عمر قضوه في هذه المؤسسة العتيدة يقومون بتفحص بعض البرامج التي شاركوا فيها أو أعدوها أو أخرى أحبوها وارتبطوا بها ليعيدوا الشريط من أوله"، وطبعا فإن الفنانين هم أيضا معنيون إذ أن بعضهم – كما تؤكد السيدة فايزة – يبكون وهم يستمعون لبعض الأغاني التي يجدونها في الأرشيف "الأستوديو القديم".
للتذكير، فإن المتحف يتضمن 3 قاعات وميدياتيك ومكتبة وكذا مكتبة أغان وعتاد قديم (بعضه ثقيل جدا) كأجهزة البث والإرسال والتسجيل يعود بعضه إلى سنة 1950 وكذا أسطوانات قديمة وصور ووثائق وشهادات تكريمية من الجزائر والخارج وصور الرؤساء الذين زاروا مقر الإذاعة وصور الفنانين القدامى والمناضلين وكذا تصنيفات لطبوع الفن الجزائري.