هؤلاء رحلوا عن المشهد الثقافي في 2018
مشاءون على درب الكبار
- 2906
شهدت سنة 2018 رحيل أسماء فنية وثقافية جزائرية ثقيلة وذات مسار حافل، ساهم في تشكيل المشهد الإبداعي عبر أجيال، حيث وهب هؤلاء الراحلون أفكارهم وطاقاتهم لفنهم الذي تجازوا به الحدود، ليصبح للجزائر صوتها.
فاروق بلوفة.. نهاية مسار
فقدته الجزائر يوم 9 أفريل الماضي، حيث توفي بباريس، لكنه ترك "نهلة" التي ارتبط اسمه بها عند الجزائريين والعرب. لقد كان تجربة رائدة دخل بها ساحات الوغى ببيروت، ليدافع عن المقاومة وعن حق الشعبين اللبناني والفلسطيني.
ولد فاروق بلوفة سنة 1947، في وادي الفضة بالشلف، ودرس السينما في الجزائر بالمعهد الوطني للسينما سنة 1964، ثم انتقل إلى معهد الدراسات التطبيقية العليا بباريس، وأخرج فيلمه الأول عن ثورة التحرير بعنوان "التمرد" سنة 1973. وفي سنة 1976 كان مخرجا مساعدا ليوسف شاهين في فيلمه الشهير "عودة الابن الضال"، وهو إنتاج مشترك بين الجزائر ومصر. بعدها التقى بكثير من السينمائيين الأمريكيين والإيطاليين الذين حضروا إلى قاعة "السينماتيك" (متحف السينما بالجزائر).
كان بلوفة يعمل حينها ناقدا سينمائيا في مجلة "الشاشتان"، التي أرسلته لتغطية فعاليات مهرجان "كان" الدولي للسينما، فأجرى حوارا مطولا مع المخرج الشهير رومان بولانسكي، كما حاور المخرج الإيطالي الشهير لوتشينو فيسكونتي، مخرج فيلم "الغريب" المقتبس عن رواية ألبير كامو، وتأثر بلوفة بأفلام اليا كازان، وجان لوك غودار.
تظل "نهلة" إحدى روائع الراحل، وإحدى كلاسيكيات السينما العربية، وهي نقلة جديدة نحو أسلوب آخر من السينما مخالف للمدارس الكلاسيكية، وشارك الفيلم في عدد من المهرجانات السينمائية الدولية، منها المسابقة الرسمية لمهرجان موسكو الدولي سنة 1979، حيث حصلت الممثلة اللبنانية ياسمين خلّاط على جائزة أفضل ممثلة، ليُفتح الباب أمامها من أجل المشاركة في أعمالٍ أخرى، كـ«عزيزة" للمخرج التونسي عبد اللطيف بن عمّار، و«أحلام المدينة" للسوري محمد ملص، لتتحول إلى كاتبة روائية سنة 2001 وتنشر رواية "اليأس خطيئة".
الراحل بلوفة أحس بأن "شيئا ما انكسر في داخله بعد هذا الفيلم"، ليلتزم الصمت، بعد النجاح الكبير الذي حازه عمله، فعاش بلوفة على الهامش، وغادر البلاد عند نهاية الثمانينات، وبقي بعيدا عن الجزائر إلى غاية سنة 2009، حيث لبى دعوة أيام بجاية السينمائية.
جمال علام يترك المكان شاغرا
من الراحلين، الفنان جمال علام الذي توفي في سبتمبر الفارط بباريس، عن عمر ناهز 71 سنة بعد معاناة طويلة مع المرض.
الراحل جمال علام، من مواليد 26 جويلية 1947 ببجاية، تعلم الموسيقى الأندلسية وموسيقى الشعبي العاصمية في المعهد البلدي للموسيقى بالولاية، تحت رعاية الفنان الشيخ صادق البجاوي. سافر إلى فرنسا سنة 1967، للعمل في أحد المسارح في مدينة مارسيليا، وهناك تعرف على عدة فنانين أوروبيين كبار، مثل جورج موستاكي، جورج براسانس وليو فيري. خلال سنة 1971، عاد إلى الجزائر والتحق بالقناة الإذاعية الثالثة الناطقة باللغة الفرنسية، حيث كان يعمل كمقدم برامج، ومدير فني لنادي "لافوت" بالعاصمة، واستضاف علام أسماء كبيرة، مثل ليو فيري ومارك أوجري، فضلا عن فنانين ومثقفين جزائريين، منهم الرسام محمد إسياخم والكاتب والفيلسوف كاتب ياسين.
أبدع الراحل طيلة نصف قرن من الزمن، وغنى على مسارح دول العالم، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، الصين وأوروبا، ونال جمال علام جائزتين عالميتين من خلال ألبومه "ساليمو" الذي سجله سنة 1985، وكان يستعد لإصدار كتابه الذي يحضر له منذ أكثر من أربع سنوات، يضم مجموعة من الأشعار باللغة الفرنسية، وكان يؤكد أن اهتمامه مركز على النوعية وليس كمية ما يقدمه، مما يعكسه رصيده الذي لم يتعد العشرة ألبومات سجلها على مدار 50 سنة. بالإضافة إلى ذلك، لحّن عدة مقطوعات موسيقية، ولديه ألبومان مخصصان للمقطوعات. كما لحن الموسيقى التصويرية لعدة أفلام وأشرطة وثائقية، وشارك كممثل في أكثر من عشرة أفلام جزائرية وفرنسية.
نال جمال علام التكريم قبل وفاته، لكن تكريمه الحقيقي سيكون من جمهوره الذي أهداه أرقى الأعمال وستظل تتردد عبر الأجيال.
"بوضو" يرحل بلا عودة
فقدت الساحة الفنية في أفريل الماضي، الفنان الكوميدي محمد جديد المعروف باسم "هواري بوضو"، الذي وافته المنية بالمؤسسة الاستشفائية الجامعية لوهران، عن عمر يناهز 52 سنة، إثر مرض عضال ألزمه الفراش.
عرف الراحل بإبداعه وتواضعه، وكان محبوبا من قبل جمهوره الذي نعاه، كما عرف في العديد من الأعمال، لاسيما السلسلة الفكاهية "ثلاثي الأمجاد"، وأعمال أخرى أثرى بها الساحة الفنية، على غرار "عمارة الحاج لخضر" 1 و2، و«يوميات زربوط" و«سوق الحاج لخضر".
أحرز الفقيد العديد من الجوائز التكريمية، تقديرا لأعماله الفنية التي أثرى بها الفن الفكاهي الجزائري، من بينها تكريمه رفقة زملائه ضمن "ثلاثي الأمجاد"، خلال الطبعة العاشرة لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي.
أحمد حمدان يودع جمهوره
الفنان الكوميدي الراحل أحمد حمدان (أحمد غوبوبة)، ودع جمهوره الوفي منذ أيام، تاركا ذكراه الطيبة وإنسانيته التي كانت تسبق إبداعه.
عكس هذا الفنان بمرآة فنه يوميات الجزائريين بكل ما فيها من آلام وآمال، فتمكن من أن يصل مباشرة إلى جمهوره ويبلّغه رسائله في قالب فني جميل بعيد عن الفضاضة، ولم يكن طريق هذا النجم المتواضع مفروشا بالورود، بل عانى كما أبناء جيله من صعاب شتى، لكنه لزم حلمه وتحدى العقبات، واجتهد في كل الفنون، فكان ممثلا بارعا وكاتب كلمات موهوبا، أنتج أروع الأعمال للطفولة التي اعتبرها جمهوره الذي يستحق الاهتمام، ويذكره الأطفال كمغن ناجح ملأ بمواهبه الخشبة وجلب إليه الصغار بأروع الأعمال. كان للراحل مجاله في تسويق أعماله وتقديمها عبر كافة المؤسسات الثقافية والإعلامية، علما أنه كان متعففا لا يطلب المساعدة من أية جهة، فاستطاع أن يشق طريقه بمجهوده.
انفجرت موهبة الراحل ودخل البيوت الجزائرية من خلال برنامجه "الطاكسي المجنون" للمخرج بلقاسم حجاج، ثم كانت جولته عبر أنحاء الوطن، قدم فيها استعراضات غنائية وتمثييلية للأطفال مقابل سعر رمزي بسيط قدره 10 دنانير فقط لكل طفل، وحقّق تميزا باهرا جعله يكسب المزيد من الثناء والتقدير.
كما لحن وأدى الراحل أغاني جينيريك لبرامج هزلية بثها التلفزيون الجزائري، كان يبدو فيها متأثرا بجيل الرواد من أمثال رشيد القسنطيني، أغلبها تعالج قضايا اجتماعية. شارك الراحل في عدة أعمال مسرحية وأفلام سينمائية منذ نهاية السبعينات، ومن بين الأفلام السينمائية التي شارك فيها؛ "سركاجي" و«البوابون" و«المحاولة الكبرى".
رحيل المفكر البخاري حمانة
رحل المفكر الفيلسوف البخاري حمانة تاركا مناقبه وخصاله، وهو الذي وهب حياته للجامعة والبحث، وقبلها للجهاد في صفوف الثورة، وبرحيله تكون الجامعة الجزائرية قد فقدت أحد مؤسسيها، ويكون تخصص الفلسفة بالجزائر قد حُرم من أحد أهم أعمدته.
ولد ابن مدينة قمار (وادي سوف) سنة 1937، انتقل إلى تونس، حيث زاول دراسته المتوسطة والثانوية بالجامعة الزيتونية (الشعبة العصرية)، وتخرج منها بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف، ومنها توجه إلى العاصمة المصرية القاهرة، وفي جامعتها درس بقسم الفلسفة.
عمل البخاري حمانة بعد الاستقلال، ملحقا إعلاميا في السفارة الجزائرية في القاهرة، قبل أن يلتحق بوكالة الأنباء الجزائرية، ويختار في الأخير الجامعة والبحث العلمي، وقادته الأقدار إلى جامعة "باريس عشرة" (جامعة باريس نانتير)، ليلتحق بجامعة وهران من 1972 إلى غاية 1995.
من الأعمال العلمية والرسائل التي تركها الفقيد لنا، "الإدراك الحسي عند الغزالي"، دبلوم في علم النفس، ودكتوراه الحلقة الثانية، جامعة الجزائر (قسم الفلسفة) بعنوان "التعلم عند الغزالي"، ودكتوراه الدولة من جامعة وهران (قسم الفلسفة) بعنوان "فلسفة الثورة الجزائرية".
عمل موظفا متعاقدا بقسم الجامعة العربية في السفارة الجزائرية بالقاهرة بين سنتي 1964 و1966. كما عمل في مهنة الصحافة، حيث شغل منصب مدير مكتب وكالة الأنباء الجزائرية بالقاهرة..
كشف الفقيد قبل وفاته، أنه رفض عدة عروض لتولي مناصب رسمية، كسفير أو وزير في الحكومة، وكان السبب عشقه الكبير للجامعة التي رأى بأنها "أسمى مكان للإنسان"، خاصة أن العلم "أفضل سلاح لكل الأجيال".
صونيا تنطفئ
توفيت صونيا (سكينة مكيو) يوم 13 ماي 2018 بالجزائر العاصمة، بعد صراع طويل مع المرض، وهي من مواليد 31 جويلية 1953، خريجة المعهد الوطني العالي للفنون الدرامية ببرج الكيفان دفعة 1973، رافقت أعمدة الفن في الجزائر منهم رويشد، مصطفى كاتب، عبد القادرعلولة وعز الدين مجوبي.
عبرت الراحلة عن هموم المجتمع من خلال المسارح الجزائرية والأجنبية في مشوار تعدى الأربعة عقود، حيث قدمت أزيد من خمسين عملا مسرحيا، بالإضافة إلى أعمال سينمائية وتلفزيونية خالدة، منها "قالوا لعرب قالوا"، "بابور غرق" و«العيطة". كما عملت كمسيرة للعديد من المسارح الجهوية، ومديرة للمعهد العالي للفنون المسرحية، فمؤسسة للمهرجان الوطني للمسرح النسوي سنة 2012، حيث أشرفت على طبعاته الأربع الأولى قبل أن تتقاعد سنة 2016.
رغم الغياب، تعود ذكراها في كل مرة من خلال أعمالها وجمهورها وأصدقائها الذين خصصوا لها وقفة خاصة في الطبعة الأخيرة للمهرجان الوطني للمسرح المحترف، التي حملت اسمها.
رشيد طه المسافر
توفي رشيد طه، أحد أبرز وجوه الروك في الثمانينات، وصاحب أغنية "يا الرايح وين مسافر"، إثر أزمة قلبية في 12 سبتمبر 2018، عن عمر الـ59 عاما.
اشتهر رشيد أيضا بظهوره الشهير في أغنية "عبد القادر يا بوعلام "، مع الفنانين فضيل والشاب خالد.
رشيد طه سافر بالأغنية الجزائرية إلى بقاع العالم، وظل نجما متميزا، ترك بصمته في المشهدين الفنيين الجزائري والفرنسي.