برج بوعريريج
هكذا يحيي أبناء البيبان احتفالات يناير
- 6021
على غرار باقي ولايات الوطن، ها هم سكان ولاية برج بوعريريج يحضرون للاحتفال بحلول السنة الأمازيغية الجديدة، التي تصادف 12 جانفي من كل سنة، وهو يوم تقام فيه العديد من التقاليد والعادات التي توارثها جيل عن جيل من أبناء عاصمة البيبان، ولعل أهم شيء في هذا اليوم؛ الاستبشار بحلول سنة فلاحية جديدة، لهذا ارتأينا أن نتطرق إلى كيفية إحياء أبناء ولاية برج بوعريريج هذه المناسبة.
"إيمنسي أن يناير”...”الكسكس” من صنع الحرائر
"عشاء يناير” أو ما يسمى بالأمازيغية “إيمنسي أن يناير”، والمتمثل في طبق الكسكس، هو الطبق الرئيسي الذي تستعد النساء البرايجيات لتحضيره في هذا اليوم، ويجب أن يكون بالدجاج، وبحديثنا مع السيدة “ح. ب" من بلدية الجعافرة، الواقعة شمال ولاية برج بوعريريج، أكدت لنا أنه في رأس السنة الأمازيغية، المصادف ليوم 12 جانفي، يقوم رب الأسرة بجلب دجاجة، وتقوم المرأة بتنظيفها، وتحضير ما يلزم من الخضروات، على غرار الخرشف، اللفت والحمص وكل ما يتطلبه الطبق، حتى تكون له نكهة أخرى. وفي المساء، يجتمع أفراد الأسرة وفي بعض الأحيان معهم الأقارب، حول مائدة واحدة، تكون مزينة بطبق الكسكس والسلطة والمشروبات الغازية، ويجتمع الكل حولها، في إشارة لاجتماع المحبة على مدار أيام السنة، وكذا التضامن العائلي في السراء والضراء، في حين أكدت سيدة أخرى، أن عشاء هذا اليوم يكون تقليديا ومتميزا، حتى يكون هذا اليوم متميزا عن باقي الأيام.
الشاي والحلويات وقصص للأطفال في سهرة يناير
لا تنتهي الاحتفالات بيناير بانتهاء العشاء، بل تبقى السهرة متواصلة إلى الساعات الأولى من صبيحة 13 يناير، حيث تقوم العائلات البرايجية بدعوة الأقارب والأصدقاء، إذتحضر لهم أكواب الشاي، وكمية من الفول السوداني، وكذا بعض الحلويات، كالبقلاوة، تبركا بأن تكون كل أيام السنة حلوة مثل طعم هذه الحلويات، وخلال السهرة، يتجاذب الكل أطراف الحديث وحكاياتهم. وحتى يبقى هذا اليوم راسخا في أذهان الأطفال، تقوم الجدات بجمع الأطفال حولهن وسرد الحكايات التي تضم ضمنيا العديد من المعاني، على غرار قصة “بقرة اليتامى”، و"الجدة الغولة” وغيرها، وفي غرفة أخرى أو داخل المطبخ، تجد الأمهات يقمن بتحضير الحناء التي اقتنتها قبل أيام من حلول السنة الأمازيغية، على شكل ورق نبات غير مسحوق، تقوم هي بسحقها في المنزل حتى تكون لها نكهة أخرى من جهة، وتكون بمثابة دروس للأجيال القادمة، خاصة فئة الإناث، وبعد تحضيرها، يتم وضعها على أيدي الأطفال، في حين توضع على أيدي وأرجل الإناث، وينام الكل على أمل أن تكون هذه السنة حلوة ومليئة بالأفراح والأشياء الجميلة، وهكذا تحتفل العائلات البرايجية بهذه المناسبة، حتى تبقى راسخة في أذهان الأجيال المقبلة، وهو يوم مميز، لكنه متشابه في التحضير والاستعداد له عبر كل بلديات ولاية برج بوعريريج.
روروبرتاج: أسيا عوفي
قرية” بني سنوس” بتلمسان
"ايراد”... مهرجان تنكري في يناير
تحتفل منطقة بني سنوس في ولاية تلمسان، بحلول رأس السنة الأمازيغية بطريقتها الخاصة، حيث يميزها المهرجان الشعبي الاستعراضي “كرنافال ايراد”، بمعنى اللبؤة، إذ يتنكر فيه بعض المواطنين في أزياء أسود ولبؤات، في احتفالية تدوم طوال اليوم، في جو من البهجة والسرور، حيث تحمل الحيوانات دلالة عميقة في ثقافة المنطقة الشعبية وذاكرة أهلها، نظرا لتحديات قساوة الطبيعة هناك، ومشقة الحصول على الرزق.
وسط التلال الجبلية، تمتد مدينة بني سنوس، تلك المنطقة التي عاصرت عدة حضارات ولا تزال تحافظ على عاداتها، من تلمسان، وصولا إلى منطقة الريف في المغرب، تعد من أقدم الحضارات بشمال إفريقيا، تمسكت قبائلها بالعادات والتقاليد العريقة. اشتهرت بني سنوس بأنها مقصد الملوك الزيانيين والموحدين والمرابطين، أصل قبائلها من البربر الذين يتحدثون الشلحية، وهي لغة أمازيغية محلية، حيث يحافظ سكان المنطقة، على عادة إقامة حفلات “ايراد” احتفاء بنصر زعيم الأمازيغ ششناق على الملك الفرعوني رامسيس، في المعركة التي دارت رحالها في جبال بني سنوس، سنة 950 قبل الميلاد، وتقام هناك العديد من مظاهر الاحتفاء بليلة رأس السنة الأمازيغية.
تنقلت “المساء” إلى المنطقة للتقرب من أهاليها، ونقل أجواء الاحتفالات فيها، إذ تقع على نحو بعد 30 كيلومترا من ولاية تلمسان، وكان لنا حديث مع الباحث في الأنثروبولوجيا والتاريخ، فريد صنهاجي، الذي استهل حديثة بإعطاء نبذة تاريخية عن المنطقة، قائلا بأنه سكن بني سنوس الهضبة منذ حوالي 3500 سنة قبل الميلاد، كانوا يسموا آنذاك بأهل المغارات، لأنهم كانوا يسكنون مغارات، تحولت فيما بعد إلى أماكن لتخزين الذخيرة الحربية، وتشبه الهضبة إلى حد قريب القلعة، لها موقع استراتيجي، شهدت عبور عديد الحضارات، خاصة العابرة للمغرب والأندلس خلال الفتوحات الإسلامية، أهمها قبائل بني سنوس، ينتمون لقبيلة بني قومية أو بني جومي، فئة منهم هجرت إلى فاس وطنجة وكونوا حضارة الميرينة، وهي في الأصل الحضارة الزيانية، التي كانت لهم العديد من العادات والتقاليد، والقبائل التي بقيت في المنطقة، لا يزال اليوم سكان بني سنوس يحافظون على معظمها، منها الاحتفال بـ"ايراد” أو رأس السنة الأمازيغية.
أضاف المتحدث أن أصل الاحتفال بـ"ايراد”، بهذا الأسلوب راجع للتاريخ والبيئة التي يعيش فيها السكان، فالعجوز عند بني سنوس تلقب باللبؤة، كونها رمز الهمة والوقر والنشاط، كما أن المحاصيل الزراعية والحيوانات تعبر عن شدة ارتباط سكان المنطقة بطبيعتهم، وتدل على الثقافة الشعبية التي لا تتجزأ عن البرية التي يعيشونها، وهذا ما يعطي ذلك المفهوم لـ"كرنفال ايراد”.
أضاف المختص، أن بني سنو يحتفلون بـ"ايراد”، بتنكرهم بأزياء الأسد واللبؤة والشبل، أي صغير الأسد، ويخرجون إلى الشارع منذ الصباح أحيانا ثلاثة أيام قبل رأس السنة، للرقص والغناء والاحتفال في أجواء تميزها عن باقي احتفالات المنطقة بالدربوكة والبندير، وهي آلة الطبل المحلي للمنطقة، يستمتع بها خصوصا الأطفال الذين يجدون متعة الهروب من هؤلاء المتنكرين بالركض والضحك.. ويهتف شباب المنطقة المتنكرين بأغان شعبية “اطاح الليل حنا جيرانكم حلو بابكم”، بعد تجمعهم في ساحة صغيرة بالقرية وتوجههم جميعا إلى ضريح الولي الصالح “سيدي أحمد” في أجواء احتفالية استثنائية، يقصدون بعدها إحدى البيوت التي تتميز بالأحواش العربية، ليدخلونها بعد سماح أهل البيت لهم، يتناولون ما طاب من تحضيرات أهلها، ثم يدعون لهم بالخير والبركة ويواصلون مشوارهم بين أزقة القرية.
كما تحضر العائلات التلمسانية كغيرها من العائلات الجزائرية، لاستقبال السنة الأمازيغية، بمجموعة من الأكلات الشعبية وأطباق من الحلويات والمكسرات، يقول صنهاجي، حيث تنطلق التحضيرات منذ الصباح، يتم عادة تحضير الكسكسي بالخضار السبع، و"البركوكس بالخليع” وهو اللحم المجفف، وكذا “التريدة”، إلى جانب تحضير العديد من الحلويات المحلية كـ"الغريوش، الغريبية، الكعك، البغرير والمسمن”.
يقول الباحث: “الجدير بالذكر، أنه تقام على هامش الاحتفالية، خيمات إطعام بالمناسبة، لمدة ثلاثة أيام متتالية، تحضر فيها النساء مائدة من مأكولات تقليدية لعابر السبيل وأهل المنطقة، يعتبرها القائمون عليها، صدقة على موتاهم.”
نور الهدى بوطيبة
تحيين عائلات بني حواء وبريرة وغيرها
"الناير” مناسبة ضاربة في عمق تاريخ
تستقبل العائلات بولاية الشلف هذا الأربعاء أول أيام السنة الأمازيغية الجديدة 2972، أو ما يعرف “الناير” أو “العام” بعادات وتقاليد متوارثة عبر الأجيال وضاربة في عمق التاريخ، حافظت عليها وفق التقويم الأمازيغي الذي يعد من أقدم التقويمات التي استعملها البشر، ويعود إلى سنة 950 قبل الميلاد، ويؤرخ لذكرى انتصار الملك الأمازيغي ششناق على ملك الفراعنة رمسيس الثاني.
تحيي العائلات الشلفية رأس الأمازيغية الجديدة، والتي تعرف لدى السكان المحليين بـ"العام”، فيما تتأهب العائلات بمنطقه بني حواء والمناطق المجاورة لها، على غرار ابريرة ووادي قوسين والزبوجة التي مازالت تستعمل اللغة الأمازيغية، لإحياء مناسبة يناير، حيث يكون الموعد مع تنظيف البيوت والتركيز خاصة على المطبخ، حيث يتم اقتناء الأواني الجديدة، ومع حلول المناسبة، تقوم ربات البيوت باستبدال هذه الأواني، بالإضافة إلى تغيير الموقد أو ما يعرف “بالكانون”، وهي عادة متوارثة منذ القدم، تفاؤلا بسنة جديدة مليئة بالخيرات، حيث تقوم العائلات بهذه المناسبة الضاربة في عمق التاريخ والموروث الجزائري، بجمع مختلف النباتات العطرية من الغابات واستعمالها في إعداد بخور للبيوت.
كما اعتاد سكان المنطقة إحياء مناسبة “ناير”، بقطف الثمار البرية، مثل ثمار الريحان واللنج المعروف بالأمازيغية “بساسنو”، إلى جانب البلوط، لتضاف إلى مجموع الفواكه المجففة، كالتين الشوكي الذي تتميز به المنطقة، وكذا الرمان، زيادة عن مختلف المكسرات التي يتم اقتناؤها من الأسواق، حيث يتم جمعها في إناء كبير ليأكل منها الجميع، ومن بين عادات هذه المناسبة، القيام بوضع أصغر طفل في العائلة في قصعة كبيره، وترمى عليه الحلويات والمكسرات، وهناك من يقوم بقص قليل من شعر ذلك الطفل تفاؤلا بسنة ملؤها الخيرات، ومن العادات أيضا، التي تميز المناسبة، قيام السكان بإحضار ما يعرف بـ"أينيص”، وهو جذر نبات الدوم له طعم لذيذ.
يضاف إلى الفواكه التي تتوزع على أفراد العائلة، كما تقوم العائلات بمناسبة رأس السنة الأمازيغية ببني حواء، والجهة الشمالية للولاية عموما، بإعداد مختلف الأطباق التقليدية، وعلى مدار ثلاثة أيام كاملة، حيث يخصص اليوم الأول للأطباق التي تتكون من النباتات، مثل الخبيز وغيرها، ويسمى ذلك العشاء بعشاء الحشائش أو “إض لحشاوش”، في الليلة الثانية، يتم طهي الأطباق المشكلة من العجائن وتسمى “إض لعجين”، لتختتم بعشاء في اليوم الثالث، ويسمى “إض ويسوم” أي عشاء اللحم، حيث يتم إعداد طبق الكسكسى باللحم الدجاج البري، يأكل منه جميع أفراد العائلة وحتى الضيوف، ويقال إنه من لا يشبع في ليلة “الناير” لا يمكنه أن يشبع في بقية الأيام، كما يتفاءل السكان خيرا بهذه المناسبة، حيث يقومون خلال السهرة بسرد حكايات شعبية من ذاكرة الأجداد، مع لعب لعبة الحظ، حيث يقوم كل فرد بأخذ واحدة من المكسرات وفتحها، فإن وجدها في حالة جيدة، فمعناه أن هذا الشخص سيكون له حظ وافر هذه السنة، وإذا كان عكس ذلك، فيعني أن صاحبه لا يملك الحظ، وهذا للترفيه وخلق الأجواء الحميمية، خاصة أن أفراد العائلة الكبيرة يلتقون بهذه المناسبة، ومن يكون غائبا تقوم ربه البيت بتخزين نصيبه من الحلويات والمكسرات. هذه الأجواء يطبعها إحياء “الناير” بمدينة بني حواء والمناطق المجاورة، حفاظا على العادات والتقاليد المتجذرة والضاربة في عمق الموروث الثقافي، وقد عرفت التظاهرة التي احتضنها مركز التكوين المهني “نجاري إبراهيم” ببني حواء بمناسبة الاحتفالية الخاصة بحلول السنة الأمازيغية الجديدة، تنظيم معارض مختلفة، على غرار معرض للصناعات التقليدية والمنتوجات الحرفية، بمشاركة متربصي قطاع التكوين المهني. فضلا عن عروض موسيقية وفلكلورية ومسرحيه بالأمازيغية، من تقديم فنانين وفرق ثقافية من ولاية الشلف، والولايات المجاورة، كعين الدفلى وتيبازة.
تجدر الإشارة، إلى أن مديرية الثقافة، بالتنسيق مع مديرية الشباب والرياضة، ستنظم العديد من التظاهرات المخلدة لهذه المناسبة التاريخية الوطنية، من خلال ندوات ثقافية وفكرية وعروض سينمائية بدار الثقافة، حسب ما كشفت عنه مديرية الثقافة، وبين الاحتفالات الرسمية والشعبية برأس السنة الأمازيغية 2972، وبين تنوع عادات إحياء هذه المناسبة الوطنية بولاية الشلف، تبقى جذور يناير ضاربة في عمق التاريخ، وتعكس عراقة الأمة الجزائرية وتبقى ليلة رأس السنة الأمازيغية تجمع الجزائريين على المحبة والتآخي والتفاؤل.
م. عبدالكريم