الدكتور والباحث في التاريخ الأمازيغي أرزقي فراد:

يناير تحول إلى احتفالية فلكلورية

يناير تحول إلى احتفالية فلكلورية
  • 1849

يرى الدكتور والباحث في التاريخ الأمازيغي محمد أرزقي فراد،  أن الدلالة الوحيدة المتبقية من احتفالية يناير اليوم هي الدلالة الثقافية والاجتماعية، حيث نحتفل بمكون أساسي من مكونات الهوية الجزائرية والممثلة في فرحة العائلة بهذا العيد الذي تظهر ملامحه من خلال تجمع أفراد العائلة حول مائدة العشاء لتناول أكلة ذات بعد ثقافي تاريخي، مشيرا لدى نزوله ضيفا على جريدة «المساء»، إلى أن المجتمع اليوم لم يعد مرتبطا بالحساب الفلاحي الذي تحول إلى رزنامة فلكلورية أثرت عليها التطورات التي طرأت على المجتمع. 

يعكس الاحتفال بيناير، حسب فراد، مدى التمسك بالهوية المغاربية، على اعتبار أن سكان المغرب العربي يجتمعون حول قواسم مشتركة ويقول «إن يناير عبارة عن عيد للفرح جاء من عمق التاريخ ووجد قبل مجيىء الإسلام، وهو احتفالية بسنة فلاحية أمازيغية جديدة مبنية على رزنامة «جوليان» الإمبراطور الروماني السابق، مشيرا إلى وجود فرق 12 يوما بينها وبين السنة الميلادية لأن البابا «غريغور» المسيحي كان وراء تعديل  رزنامة «جوليان» في القرن 16، ومنه سار الأمازيغ على هذه الرزنامة التي تعززت مؤخرا بجعل الأمازيغية لغة مكرسة في الدستور الجزائري.وحول سر ارتباط السنة الأمازيغية بالرزنامة الفلاحية، يرجع  فراد ذلك ـ ببساطة ـ إلى أن حياة أفراد المجتمع قديما كانت مبنية على الزراعة فقط، وكان لكل فصل خصوصية، ففصل الشتاء مثلا تنام فيه الطبيعة، وعندما يحل فصل الربيع تبدأ مرحلة الخصوبة، بعدها يأتي فصل الصيف الذي يمثل فصل الجني والحصاد، ونعود بعدها إلى فصل الخريف الذي تبدأ خلاله عملية الزراعة، وعليه فإن هذه الفصول بمدلولها مرتبطة بالأرض، موضحا أن كلمة يناير وحدها تحمل الكثير من المدلولات، ولعل من أشهر التفاسير أنها تتكون من كلمتين «ين» وهي واحد «ير» وهو الشهر، كما يطلق عليه اسم «رأس العام» وبالأمازيغية «ثابورث أوسغاس».

متى كان الاحتفال بيناير حراما؟

يرفض الدكتور فراد تحريم احتفالية يناير، على اعتبار أنها مخالفة للدين، ويقول بأن يناير عبارة عن رزنامة فلاحية  حسابية، وإذا عدنا إلى القرآن الكريم نجد أن بعض آياته تدعو الإنسان إلى تنظيم حياته بالاعتماد على الحساب القمري والشمسي، وهو ما نجده في قوله تعالى «هو الذي جعل  الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب» فهذه الآية أكدت اجتهاد البشرية في الماضي  البعيد على تنظيم الحياة، كما أنها تتوافق وقول الرسول الكريم «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، ومن هنا نلاحظ أن الإسلام احترم البشرية والإنسانية ولم يكن له مطلقا أي اعتراض على الاحتفال، شريطة ـ طبعا ـ التخلص من بعض الممارسات الوثنية التي عبرت التاريخ ومارسها البعض عن جهل، غير أن الإسلام هذبها وجعلها تتوافق مع ما جاء فيه، فكيف ينادي البعض إذن بتحريم هذه الاحتفالية التاريخية؟

دلالات ضاربة في عمق التاريخ

ميز المتحدث بين ثلاثة أنواع من الدلالات التي يحملها الاحتفال بيناير السنوي، ويأتي على رأسها الدلالة التاريخية المتمثلة في  ارتباط المناسبة بانتصار الملك شيشناق على فرعون مصر سنة 950 قبل الميلاد، وتم تبني هذه الحادثة التاريخية كمنطلق  للحساب سنة 1980 من طرف الأستاذ عمار نقادي، بينما يتمثل البعد الروحي لهذه الاحتفالية في التوجه إلى إرضاء  القوى الخفية في الماضي البعيد، التي كان يعتقد بوجودها قبل نزول الأديان السماوية، ومرجع ذلك ـ حسب الباحث ـ العلاقة القوية والمتوترة الناتجة عن عجز الإنسان البدائي عن فهم الظواهر الطبيعية، كالزلازل والبراكين والأعاصير والرياح العاتية والأمطار الغزيرة وحركات الشمس والقمر، وهو ما جعله يحاول إرضاءها بتقديم القرابين «أسفن»، وانطلاقا من هنا برزت إشكالية الدين والاحتفالية المنطلقة من جملة الطقوس الروحانية الفلسفية التي مارسها الناس لإرضاء الطبيعة.

الطقوس جزء لا يتجزأ من الاحتفالية

عدّد الباحث بعض المظاهر الاحتفالية التي ترتبط بممارسة بعض الطقوس التي لا تزال تمارس إلى حد اليوم في القرى والمداشر، منها ملء الرحى اليدوية بما تيسر من الأكل، ووضع المغزل في عمود المنزل، وعدم القيام ببعض الأعمال المنزلية  كالنسج وإخراج الرماد من أسفل الكانون وتغيير «الأثافي» (الحجرات الثلاث التي يوضع عليها الكانون). فضلا عن جلب الأعشاب الخضراء من الغابة ووضعها على سقوف المنازل تيمنا بالاخضرار والخصوبة، إلى جانب إقامة كرنفال «ايراذ» أو «مهرجان الأسد» الذي لا يزال موجودا في منطقة  بني سنوس في تلمسان، حيث ترمز الفكرة الرئيسية لهذا الكرنفال إلى تجدد الحياة وانبعاثها في شكل نباتات خضراء   مجسدة في لبؤة تضع صغيرها تحت حراسة الأسد، فضلا عن إلقاء الأشعار والأدعية التي ترافق هذا العرض، كل هذه الممارسات في مجملها تعكس البعد الفلسفي المتمثل في التفاؤل  بالسنة الجديدة.

  حضور اجتماعي فقط

احتفالية يناير لا تكتمل إلا ببعدها الاجتماعي، حسب فراد،  ويظهر هذا البعد من خلال مظاهر الفرح والسرور التي يبديها الناس في هذه المناسبة التي ينظر إليها على أنها عيد، يعد له وليمة عشاء، بشرط أن تكون متكاملة يتناولها أفراد الأسرة  بسخاء، يفترض أنه من يشبع في تلك الليلة، سيظل كذلك طيلة أيام السنة. ولعل أهم أكلة كانت تحضر للاحتفال؛ طبق الكسكسي ومشتقاته من العجائن الأخرى مثل «الرشتة» و«البركوكس» حسب المناطق، ويشترط توفر اللحم الذي ينبغي أن لا يشترى جاهزا، بل يذبح الدجاج أو الأرانب والغاية من اشتراط اللحم هو سفك الدم كرمز للقربان المقدم للقوى الطبيعية، أما بالنسبة للمرق الذي يسقى به الكسكسي فيفترض ـ يوضح محدثنا ـ أن يتكون من سبعة أنواع من البقوليات،  مشيرا إلى أن الدالة الاجتماعية لاشتراط ذلك لا تزال غامضة  واختلفت فيها التفاسير، ولعل من بين الأغذية التي ينبغي توفرها أيضا، الفواكه المجففة كالجوز واللوز والمشمش التي وفقا للتقاليد، يتم صبها على الطفل الصغير الذي يوضع بالقصعة، تيمنا له بمستقبل زاهر دون أن ننسى طبعا تحضير الخبز بكل أنواعه المحضر على الجمر والمقلي في الزيت.

تمسك شعوري ولا شعوري

يؤكد الباحث فراد أنه على الرغم من أن المجتمع الجزائري مر بفترات عصيبة على المستوى المعرفي والثقافي والسياسي، إلا أنه ظل متمسكا بطريقة شعورية ولا شعورية بالاحتفالية التي تحولت إلى عيد فلكلوري، ويشرح قائلا بأنه مثلا في بلاد القبائل، نلمس وجود حالة من الوعي للاحتفال بالمناسبة، من منطلق أنهم أمازيغ، أما في غرب البلاد مثلا، فنجد أنهم يتمسكون بالاحتفالية لا شعوريا، وإن سئلوا يردون بأن أجدادهم كانوا يحتفلون، وهذا يعكس قوة التمسك بالهوية الجزائرية بصفة خاصة والمغاربية بصفة عامة.