"المساء" ترصد جهود الدولة لتثمين مليار متر مكعب من المياه المستعملة
"المعالجة الثلاثية" بديل استراتيجي بأبعاد اقتصادية واجتماعية
- 220
يشكل استغلال المياه المطهرة في القطاع الاقتصادي ملفا هاما في برنامج الحكومة، خصصت له أموال ضخمة، وبرنامج واعد يجري تجسيده في الميدان، بالتنسيق مع عدة قطاعات ومؤسسات اقتصادية ذات صلة، على رأسها قطاع الري، الذي يشرف على تثمين أكثر من مليار متر مكعب من المياه القابلة للمعالجة، بـ 232 محطة تصفية عبر الوطن، وبرامج لإنشاء عدد معتبر من المحطات الأخرى المجهزة بنظام التطهير الثلاثي.
وفي هذا الملف، الذي ارتأت "المساء" إعداده بخصوص هذا البرنامج الواعد، تحدث إطارات القطاع عن الخطة الميدانية المعتمدة في تجسيد المشاريع ذات الصلة، والآثار الإيجابية التي ستعود على قطاع الفلاحة بالدرجة الأولى، الذي تراهن السلطات العليا للبلاد على تطويره، لضمان الأمنين الغذائي والمائي معا.
مشاريع استراتيجية في مخطط وزارة الري
تصفية المياه المستعملة صون لـ 191 طبقة جوفية
يشهد قطاع الري، هذه السنة، حركية كبيرة، لتسريع مشاريع تثمين المياه المطهرة، وتحقيق من ورائها، أهداف اجتماعية واقتصادية وبيئية، إذ تم، في هذا الشأن، رفع التجميد عن كل المشاريع الخاصة بإنجاز محطات تطهير جديدة، والتي تعمل بنظام "المعالجة الثلاثية"، تجسيدا لتعليمات رئيس الجمهورية.
وحسب المعلومات المستقاة من الوزارة الوصية، فإن قطاع الري، الذي أنهى إحصاء كل المحطات المعنية بإعادة التأهيل ورصد الاحتياجات اللازمة لإنجاز محطات أخرى، شرع في إعادة تأهيل المحطات الكبرى، وتلك القريبة من المحيطات الفلاحية، فضلا عن إعادة بعث المحطات القديمة المتوقفة، وإعداد الترتيبات الإدارية والتقنية، لتجسيد مشاريع تضمنها البرنامج الجديد.
تأتي هذه الحركية، وفق نفس الجهة، تجسيدا لتعليمات رئيس الجمهورية، الذي أمر، العام الماضي، بإحصاء تقني لكل محطات التصفية المعطلة، وتلك الموجودة في الخدمة بكل البلديات، بهدف تحديد قدرات الإنتاج، فضلا عن تسجيل احتياجات القطاع لتطويره، تنفيذا لبرنامج الحكومة، مع إعطاء الأولوية للولايات التي لا تعالج فيها المياه المستعملة، لاستخدامها في المجال الفلاحي مباشرة، بدل اللجوء للمياه الجوفية المصنفة في الاحتياط الاستراتيجي. وقد استنفر الرئيس، بخصوص هذا الملف، مصالح الداخلية والموارد المائية والفلاحة والصناعة والبيئة، لوضع مخطط استعجالي ينتهج سياسة اقتصاد المياه وطنيا، والحفاظ على الثروة الجوفية، فضلا عن إعادة تحريك وبعث كل المشاريع المتوقفة لمحطات تصفية المياه المستعملة عبر الولايات، لاستخدامها في الري الفلاحي عوض المياه الجوفية.
تطهير المياه المستعملة "بديل استراتيجي" يتجاوز البعد البيئي
ولم يعد الاهتمام مقتصرا على معالجة المياه المستعملة من أجل الحفاظ على البيئة، وإبعاد خطر الأمراض المتنقلة عن طريق المياه، وتحسين الإطار المعيشي للمواطن فحسب، بل تعداه -تحت طائلة التغيرات المناخية وما تخلفه من شبح الجفاف- إلى استغلالها كـ"بديل غير تقليدي" في المجال الفلاحي والصناعي وسقي المساحات الخضراء، وضمان النظافة الحضرية.
ويبدو أن المياه المطهرة، وفق ما يرمي إليه المخطط الوطني، سيصبح "بديلا استراتيجيا" للحفاظ على المياه التقليدية. علما أنه توجد 191 طبقة مياه جوفية على مستوى التراب الوطني، أغلبها تعاني من الاستهلاك المفرط واللاعقلاني للمياه الموجودة فيها، حسبما أكدته، سابقا، الوكالة الوطنية للتسيير المدمج للمياه، وقالت إنه "للحد من استنزاف هذه الموارد، تعمل الوكالة على تطوير مشاريع تقنية، لاستهداف هذه الطبقات وتحسيس الفاعلين بأهمية هذه الطبقات، والمحافظة عليها من الجانبين النوعي والكمي".
كما تذكر المعلومات، أن 70 بالمائة من المياه السطحية المحشودة والباطنية تستغل في الفلاحة، و28 بالمائة في النشاط الصناعي، بينما لا تتعدى نسبة الماء الشروب 2 بالمائة، ولأن القطاع الفلاحي يستحوذ على القسط الأكبر من المياه التقليدية، التي قد لا تكون كافية أو مضمونة، في وقت يشهد فيه العالم تغيرات مناخية، أثرت على مواعيد التساقط السنوية، التي ألقت بظلالها "السلبية" على النشاط الزراعي، لاسيما بالنسبة للزراعات المعتمدة على الأمطار الفصلية، كالحبوب التي صارت بالمناطق الشمالية، وفي ظل موجات الجفاف، تلجأ إلى الري التكميلي، لإنقاذها من التلف.
وبهذه الاستراتيجية التي اعتمدتها الدولة، في اللجوء إلى البديل غير التقليدي، تكون قد وجدت مكمن النقص، ووضعت الأصبع على الجرح، حيث يتوقع المهتمون بقطاع الفلاحة، أن تكون مياه السقي الفلاحي مضمونة على طول السنة، دون انتظار غيث السماء.