الخبير الأمني محمد كروش لـ ”المساء”:

المستفيدون من الفساد هم من ينتقدون مؤسسة الجيش

المستفيدون من الفساد هم من ينتقدون مؤسسة الجيش
  • 4000
حوار: شريفة عابد حوار: شريفة عابد

أكد الخبير الأمني والمراقب الدولي السابق لدى بعثة الأمم المتحدة أحمد كروش في حوار مع ”المساء”، أن إيداع مستشار الرئيس المستقيل السعيد بوتفليقة والجنرالين السابقين لجهاز المخابرات عثمان طرطاق ومحمد مدين، الحبس المؤقت، سيعجل في تطبيق مطالب الحراك الشعبي المتعلقة بالتغيير الحقيقي. وإذ أوضح أن هؤلاء الذين يُعتبرون ”الرؤوس الكبيرة” للعصابة التي تحدثت عنها قيادة الجيش الوطني الشعبي يواجهون تهمة ”الخيانة العظمى”، اعتبر المتحدث توقيف هؤلاء ومتابعتهم ”دليلا قاطعا على أن العدالة فوق الجميع”، فيما صنف منتقدي قائد الأركان في مهمة القضاء على الفساد في خانة ”المستفيدين من إطالة الوضع الحالي، والراغبين في تغيير عصابة بعصابة أخرى”، مشددا على أهمية دعم الحراك الشعبي لمؤسسة الجيش التي يستمد منها  قوّته في إتمام مهمة تحقيق التغيير.

- المساء: هل تعتقدون أن توقيف مستشار الرئيس المستقيل السعيد بوتفليقة، والرئيسين السابقين لدائرة الأمن والاستعلام الجنرالين عثمان طرطاق ومحمد مدين، سيعجل في تحقيق مطالب الحراك الشعبي؟

أحمد كروش: إلقاء القبض على الحيتان الكبيرة أمر جيد، وهو من النتائج الباهرة التي حققها الشعب الجزائري في حراكه ومسيراته السلمية والحضارية.. فهذه الحيتان سبق أن أطلق عليها رئيس الأركان نائب وزير الدفاع الوطني الفريق قايد صالح، اسم العصابة، ووصفها كذلك بـ ”الألغام المزروعة من العهد السابق”، حيث كانت هذه العصابة تشوش على الحراك الشعبي، وتعمل جاهدة من أجل الانقضاض عليه، وإخراجه عن مساره السلمي والحضاري، والعودة إلى العهد السابق الذي عُرف بتسيير البلاد عن طريق القوى غير الدستورية.

والتهم التي وجهت لهؤلاء المسؤولين السابقين الثلاثة، تبين حجم المؤامرة التي كانوا يعملون على تنفيذها.

ولا بد من تأكيد مرة أخرى، أن نتائج الحراك المتمثلة في إلغاء العهدة الخامسة وإلغاء التمديد للعهدة الرابعة للرئيس المستقيل، كانت كلها مستمَدة من مطالب شرعية للحراك، الذي يلح أيضا على محاسبة الفاسدين والمتآمرين على البلد وعلى المؤسسة العسكرية، وهذا يمهد الطريق إلى تحقيق مطالب الحراك في الوصول إلى التغيير الحقيقي الذي ينشده بمرافقة من المؤسسة العسكرية، التي تدعمه بشكل تام إلى غاية انتخاب رئيس جمهورية بالإرادة الشعبية.. ولا شيء غير ذلك.

- حسب التهم الموجهة للموقوفين الثلاثة، ما هي العقوبة التي سيواجهونها؟

التهم الموجهة لهؤلاء الأشخاص هي تهم خطيرة وتدخل في باب الخيانة والتجسس والمؤامرة العسكرية في القانون القضاء العسكري. أما في قانون العقوبات الجزائري فتأتي هذه التهم في باب الاعتداء على الدفاع الوطني أو الاقتصاد الوطني.  وإلى حد الآن فإن التهم الموجهة لهؤلاء الثلاثة هي المساس بسلطة الجيش والمؤامرة ضد سلطة الدولة، غير أنه أثناء التحقيقات قد تضاف تهم أخرى أو تحذف التهم المعلن عنها،  وما علينا إلا متابعة سير العدالة، وسوف يأخذ كل شخص أجرم في حق البلد والشعب، جزاءه عن طريق العدالة؛ فالمهم والمؤكد أن من نتائج الحراك الشعبي أنه لا يوجد اليوم أحد في الجزائر فوق القانون والعدالة.

- هل تعتقد أن سقوط الرؤوس الكبرى للفساد سيجعل الحراك يتخلى أو يعيد النظر في نقطة الانتخابات الرئاسية؟ وهل هناك ضمانات لنزاهتها إن تمت؟

في اعتقادي، لضمان نجاح الحراك والوصول به إلى بر الأمان وتحقيق نتائجه، ينبغي أن تبقى العملية داخل الإطار الدستوري، حيث يُعتبر كل خروج عنه مغامرة غير محسوبة العواقب.. وهذا كان الهدف الأول للعصابة التي تعمدت العمل على وجود فراغ دستوري في البلاد، حتى يتسنى لها اللعب على أوتار الفوضى وإطالة مدتها حتى وإن كان من مخاطر هذه الفوضى توليد العنف، لا قدّر الله.. وكلما طالت مدة المرحلة الانتقالية التي كانت تسعى إليها العصابة يمكن لهذه الأخيرة استرجاع أنفاسها وإعادة بناء نفسها من جديد، لتلتفّ على مطالب الشعب، وتظهر بثوب جديد، يكون أكثر فسادا وانتقاما من العهد السابق، ولذلك وجب على الشعب أن يتفطن لهذه الخدعة، والتي - للأسف - تطالب بها بعض الأحزاب وكذا بعض الشخصيات التي لا ترى في نفسها أنها جاهزة للانتخابات في المواعيد المحددة في الدستور وقانون الانتخابات، والعمل على تغليب المصالح الشخصية والحزبية الضيقة على المصلحة العليا للوطن.

- بعض الأحزاب تطالب الحراك الشعبي بمواصلة دعم الجيش، حتى يواصل مكافحته الفساد، فهل يستمد الجيش قوّته من الحراك؟

نعم الجيش يستمد قوة موقفه من الحراك الشعبي وكذلك من المهام الدستورية المنوطة به لحماية البلاد من كافة النواحي؛ بحماية الحدود البرية والمجالين البحري والجوي وحماية استقلال البلاد والوحدة الترابية.

فالجيش وعلى لسان رئيس أركانه لما قال إن المؤسسة العسكرية وقيادتها تصطف بجانب الشعب، وإن المطالب التي جاء بها الحراك هي مطالب مشروعة، ووجب تنفيذها وتحقيقها كاملة غير منقوصة؛ فهو استجابة لإرادة الشعب صاحب مصدر أي سلطة، نعم الجيش استمد قوة قراره من صاحب السلطة السيد هو الشعب، وإن من عزل الرئيس المستقيل هو الشعب، ومن حرر العدالة لمحاربة الفساد والفاسدين هو الشعب، والجيش كان مرافقا فقط كما وعد.

- هل سيتم في تقديركم إقالة بن صالح وبدوي كما يطالب الحراك؟

أظن أن لا أحد متشبث بالدستور، والعمل في إطاره باستطاعته إقالة السيدين بدوي وبن صالح، وإنما قد يستجيبان لمطالب الشعب ويستقيلان تلبية لذلك، ولذا لا نتحدث عن إقالة بل نقول استقالة بإرادتهما إن أرادا ذلك.

- طالبت بعض الأحزاب السياسية بضرورة حياد المؤسسة العسكرية وابتعادها عن الحياة السياسية وعدم تكرار تجربة الماضي، إلى أي مدى يمكن أن يتحقق ذلك؟

مطالب الأحزاب السياسية غير ثابتة، ولم تتفق هذه الأحزاب على موقف موحد سواء بالنسبة لأحزاب المعارضة أو أحزاب الموالاة؛ فهذه الأخيرة صامته ولم تتكلم، وأظنها لا تحبذ إجراء انتخابات في الوقت الحالي، لأنها ترى في نفسها الخاسر الأكبر، كونها لا تملك قبولا شعبيا في الوقت الحاضر، وهي كانت من أكبر المدافعين عن مرحلة انتقالية يقودها الرئيس المستقيل.

أما أحزاب المعارضة فهي كذلك منقسمة، حيث إن جزءا منها يدعو إلى الذهاب إلى الانتخابات في موعدها وعدم الخروج عن الدستور، وجزء آخر يروج ويرافع من أجل مرحلة انتقالية ترافقها مؤسسة الجيش. والغريب أن أحزابا تطلب التدخل من الجيش في السياسة من خلال رعايته الحوار ومرافقته المرحلة الانتقالية، وهي نفس الأحزاب التي تصدر بيانات تحذر فيها من تدخّل الجيش في السياسة.. فمن يتتبع بيانات هذه الأحزاب يصاب بالدوران من كثرة انقلاب مواقفها.  الجيش في كل بياناته يصرح بأنه لن يقبل بأي عمل خارج الدستور، وأنه متمسك بالدستور وليس له أي رغبة في ممارسة العمل السياسي، بل هو متمسك بالعمل الذي خوله له الدستور ولا غير؛ فلتطمئن هذه الأحزاب بأن الجيش الوطني الشعبي لن يتدخل في السياسة، وعليها أن تكف عن مطالبته بالدخول في اللعبة السياسية؛ فالجيش منذ بداية الأزمة وهو متماسك بمواقفه ولم يغيرها أبدا، بل أرى أن هذه الأحزاب التي تعبر عن تخوفها، هي من تطالبه بلعب دور سياسي. النفاق السياسي يؤدي بها إلى القيام بتصريحات تعلن فيها بأنها تؤيد مواقف الجيش، وأنها تضع يدها بيد الجيش من أجل تحقيق مطالب الشعب، لكن في الواقع الجيش رده واضح، وهو أن يتم العمل دائما في إطار الدستور، وأن تجري انتخابات في موعدها، بينما بعض الأحزاب تطالب بمرحلة انتقالية خارج الدستور، ومجلس تأسيسي ومجلس رئاسي..

- بماذا تردون على من يواصلون انتقاد الجيش بذريعة تدخله في العدالة؟

أظن أن التشكيك في مواقف الجيش واتهامه بالتدخل في عمل العدالة، من إنتاج الحيتان الكبيرة الملقى القبض عليها، وكان هذا هو عملها.. إيجاد شرخ بين القوتين المتحدتين وهي قوة الشعب وقوة المؤسسة العسكرية.

الحراك حرر العدالة، والعدالة مارست وظيفتها الطبيعية، الجيش وعد بحماية الحراك وحمى الحراك. كما وعد بحماية جهاز العدالة من أجل أن يمارس مهامه بدون تدخل أو ضغط من أحد، والقاضي يخضع فقط لضميره وللقانون.

فالجيش والعدالة كمؤسسات دستورية تستجيب لمطالب الشعب بحماية أمواله من النهب والسرقة والعمل على منع تمكين الفاسدين من تهريبها. والحرب الآن قائمة على الفساد والمفسدين الذين كانوا محميين من طرف العصابة، فالحراك الشعبي المبارك حرك كل شيء وكشف عن حجم الفساد السياسي والإداري والمالي.

- هل يمكن أن تحدد لنا من هم الذين يزعجهم قائد الأركان، ويطالبون برحيله، وممَّ هم متخوفون؟

هناك بعض المغرضين ممن يزعجهم رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، وهم لا يريدون لهذا الحراك أن ينجح ويخدمهم بقاء الوضع على حاله، وهناك من أراد ركوب الحراك وتحويل نتائجه لصالحه ومصالح حزبه الضيقة أو مصالحه الشخصية. هناك أشخاص وأحزاب تريد المناصب في الدولة عن طريق التعيين بدل الانتخاب، لأنهم يعلمون مقدار وزنهم، فلا مناضلين لهم، ولا حضور سوى في وسائل التواصل الاجتماعي وفي البلاطوهات الإعلامية وفي بياناتهم الصحفية، التي يدرجون فيها مطالب ينسبونها لمطالب الحراك، وعندما لا يُستجاب لأطماعهم يتهمون المؤسسة العسكرية بأنها تماطل في تحقيق المطالب، ويشككون في مواقفها ويعملون على زعزعة الثقة في الجيش؛ محاولة منهم لضرب الرابطة القوية التي تربط الشعب وجيشه.

نعم هناك الكثير ممن لا يريدون التغيير، وهم المستفيدون من الوضع الحالي، الذي ميزه دوما التسلط على الشعب وأكل أمواله بغير وجه حق. وهناك من يريد التغيير، لكن التغيير الذي يناسبه فقط وليس كما يريد الشعب، غير أن الشعب الذي قرر الأخذ بزمام أموره هو من يعيّن من يحكمه ويمثله وفق إرادته المشروعة.

متعلقات